"برا الصندوق" قصة قصيرة لوليد إكرامي
في وقت غروب الشمس عن كومة تل كبيرة من النفايات يقف عليها ياسر يقوم بجمع أكياس القمامة ومعه سبعة أفراد من العمال يقومون بباقي مهام فصل القمامة عن بعضها مثل البلاستيك والكرتون ,بواقي الطعام ,أكل الحيوانات. حيث يتم فصلها من أجل إعادة تدويرها عن طريق ميكنات تكسير وشطف البلاستيك والمواد الاخري لإعادة إستخدامها وبيعها لأصحاب الفنادق والمحلات. ولضعف إمكانياتهم وعدم إمتلاكهم ميكنات إعادة تدوير يلجئون إلي المعلم (لمعي الساكت) فهو كبير المعلمين في المنطقة وهو في الأصل من (الزبالين) الأوائل والأقدم في الحي بأكمله ,يدفعون له مبلغ ليس ببخس لكي يدور لهم نفاياتهم.
لكن في المقابل من أجل بقائهم في هذه المهنة يتوجب علي كل عائلة (بتاكل عيش) تقوم بدفع ثمن مهنته للمعلم (إتاوة) لضمان التكافل الأجتماعي وهذا نظام فوق الكل لا يستطيع أحد أن يكسر قواعد المعلم .
كان ياسر الأصغر عمراً ,عمره لا يتعدي السبعة والعشرين لكنه أحسنهم خبرة وأفطنهم عقلا ,فكان هو أكثر ضجراً وحنقاً لأنه الشخص الوحيد الذي يعمل بينهم طوال الليل والنهار وسط الرائحة الكريهة بحثاً عن أكثر شيء يمكن إعادة تدويره (عليه الطلا) يداه الخشنة المجروحة بسبب كثرة العبث داخل صناديق النفايات وقدميه العاريتان المتشققة من كثرة المشي والوقوف دون راحة ومع كل هذه المشقة يعمل مقابل فتات وأيضا يدفع لضمان بقائه وسط الكومة لكي يواصل عمله ,يحصل علي مال لو يكفي الطعام والشراب لا يكفي حتي أقل إحتياجاته البسيطة , الجميع ملابسهم بالية متهالكة يفوح منها عطر النفايات ,بيوتهم هي أماكن عملهم ,حتي النساء والأطفال يتقاسمون العمل مع الرجال ولا يوجد طفل يتعلم أو يذهب للمدرسة فحياته كلها هي جمع النفايات منذ صغره حتي وفاته .
عندما إقترب وقت الإنتهاء من عملهم جلس ياسر يفكر ويتمتم لحاله علي سوء وضعه وقلة حيلة الجميع للنهوض في وجه الظلم والإبتزار الأتي من قاطع الأرزاق (الساكت). لاحظ أحد زملائه الشرود الواقع لياسر فسأله متعجباً : - مالك يا ياسر ف إيه؟!!!
- مخنوق شوية يا سحس تلاقيني بس تايه حبة
- ليه يا بن عمي؟
- أبدا .. كل الحكاية إني متضايق ماللي بيحصل لنا دا . .بذمتك مش شايف يعني ؟
- إيه اللي بيحصل ؟..ماحنا زي الفل والحياة ملك أوي وبناكل وبنشرب
- هو دا اللي همك شوية أكل وشرب يا حسين؟ ,الكام مليم اللي بناخدهم دول مش مكفين حاجة. طب والفحت والردم اللي إحنا فيه دا إيه والأتاوة اللي بندفعها للمعلم دي ايه مش كل دا بيختمونا علي قفانا ؟؟؟
- جري إيه ياياسر إنت يظهرعليك نسيت نومة تحت الكباري والشحاتة ..يا أخي متطبطرش ع النعمة وإحمد ربنا إننا لاقين ناكل إحنا وعيالنا من أساسه. وماله المعلم بيستغلنا ف إيه مش بيحمينا هو ورجالته وهو اللي وفرنا لقمة عيش ناكلها بالحلال وبقي لينا بيوت ومأوي نداري فيه من برد الشتا بدل المرمطة وبحطرة كرامتنا الأرض ونشحت ونقول لله .
- بس إحنا مش عبيد ياحسين أينعم بناكلها بالحلال زي مابتقول بس بنلم وساخة الناس فَ مش تبقي جزاة النضافة وساخة
- نفسي أعرف مين اللي دخل الفكر دا في دماغك إنت مكنتش كدا أبداً , كنت شغال ومش هامك أي حاجة إيه اللي حصلك؟؟!!
- اللي حصلي إني فوقت ومش هسكت ع اللي بيحصل دا.. مش هقعد حاطط إيدي ع خدي وأأقول زيكم هنعمل إيه؟؟
- ياعم بلاش تجنحر..العالم دي مفترية يا ياسر بلاش تتغابي أنا خايف عليك
في صباح اليوم التالي إجتمع الجميع ليكملوا ماتبقي من عملية الفرز وحضر الجميع ماعدا ياسر حتي إنتبه أحدهم قائلاً : هو ياسر إتأخر ليه النهاردة مش عادته دا أول واحد بيجي فينا ؟؟
رد عليه حسين ويبدو عليه توتر ما : تلاقيه لسة مصحاش أصلي هو كان بيفنش الشغل بعد ماخلصنا إمبارح وشكله بيريح شوية .
رد الأخر : إشحال أنا أول ماقومت مالنوم ودخلت الحمام أفُك بصيت كدا ملقيتهوش علي فرشته
حسين محاولاً يخفي زمجرته : دا راح فين دا ؟.. الغايب حجته معاه !! يمكن راح هنا ولاهنا يلقط كومة كياس ولاكرتون ومش هيتأخر
دنا أحدهم منه هامساً له بأسلوب يبدو عليه السخرية: يعني إنت مش عارف ياسحس هو راح فين متأكد؟!!
دا شقك الروح بالروح يعني, ومبيعملش حاجة غير لما يرجعلك
- إيه.. إيه اللي بتقوله دا لا مش كدا وأنا لو عارف هتسندل عليكم ليه هو صاحبي أها بس مش هعرف كل حاجة وكل كبيرة وصغيرة عليه .
- صح بأمارة متجنحرش ياياسر أنا خايف عليك
-بس ,...ا..
- من غير متقول حاجة أنا فاهم إنت خايف علي رزقك وشغلك وكوم اللحم اللي وراك و اللي قولتهوله دا أكبر صح,عقله ياسحس ورجعه لدماغه وعقله زي زمان عشان لو الساكت شم خبر إن واحد فينا مش عاجبه هيغرقنا كلنا وإنت فاهم اللي هيحصل مش هيبقي ف خير أبداً
- فاهم ..فاهم من غير ماتقول ربنا يستر علينا ,الله يخربيتك ياياسر وإيه اللي أخره كدا دا طفش دا ولا إيه؟؟
-اللهم مابلغت ..اللهم فاشهد ,وصلت كدا ياسحس ..نكمل شغلنا بقي
بعد بضع دقائق يجري أحد الأطفال صارخاً ,ففزع الجميع فعندما إقترب منهم
قالوا : في إيه ياااااض ياسمكة بتصرخ ليه؟!!
- إلحقوا في كومة بلاستيك اللي لسة فارزينها إمبارح ناحية مزلقان القطر إختفت ولا ليها أي أثر!!
- إييييه !! ...دي مصيبة إنت متأكد مالكلام اللي بتقوله دا ياض دي كومة كبيرة إتنين ونص متر إزاي تتسرق دي ولا عايزلها ساعتين اربع ساعات بحالهم عشان تتشال من مكانها
- والخِتمة الشريفة ياعمنا بقولك إختفت من مكانها
- تعالو نشوف ياجدعان المصايب اللي بتحل علينا دي .. سترك ياااارب
بعد ماذهبوا إلي مكان كومة البلاستيك ولم يجدوا أثر لها وأصابتهم فاجعة ذهول ,والصمت يعم الأرجاء
قال أحدهم : - أنا مش فهمان إزاي دا حصل يانهااااار إسود ... هنقول إيه للمعلم دا هيخربيت اللي خلفونا
حسين : مش هينفع نقوله غير لما نتأكد الاول هي فين ولو غلب حمارنا هنضطر...نوص..
- أحسين ... بقلك إيه.. طبعا كله ميعرفش هي كومة البلاستيك إختفت راحت فين صح؟؟ إنت بقي ياحسين هتبقي السبب قدامي في اللي حصل وإنت فاهمني كويس وأدي يا جدعان أخرة اللي بيسمع كلام العيال
يصيح حسين في وجه سليمان : فكك من شغل النسوان وتلقيح الكلام ..ياسر مالوش دعوة باللي بيحصل
وعمره مايعمل كدا ويبقي السبب ف قطع عيشنا أو خراب بيوتنا
قال أحدهم : حسين عنده حق ياسليمان ياسرعيل جدع وطول عمره بتاع شغل عمره مافكر في نفسه ولا عمره أذانا من ساعة ماعرفناه نفسي أفهم إنت ليه كمان بتجيب اللوم علي حسين هو ذنبه إيه كمان
سليمان : - ياجدعان إفهمو إيه السرفي إختفاء ياسر وبعدها إختفت كومة البلاستيك وأنا سامعهم هو وحسين بيتودودوا وياسر مش عاجبه الشغل ولا طريقة الساكت وعمال يقول كلام هو مش قده
نظر لحسين نظرة حادة صارمة : محدش يزعل مني بقي علي اللي هعمله واللي هيجي علي أكل عيشي هطين ليلته
حسين متوجها إليه يركله برجله : تزعل مين ياروح اُمك دانا أدفنك مكانك
يقع سليمان علي الأرض من أثر الركلة ثم ينهض ليرد الضرب إلي حسين. حتي وقف الجميع يحجزون بينه وبين حسين قائلين: في إيه ياجدعان متصلوا ع النبي متدخلوش بينكم الشيطان ,ولو علي مشكلة البلاستيك هنتصرف ونقول للمعلم .. الداهية بقي إننا منعرفش حاجة عن الواد ياسر مصيبة ليكون جراله حاجة .
قال أحدهم : - وادي أهو ياسر جه أنا شايف الحنطور بتاعه من بعيد
توجه الحشد مسرعين إليه يتقدمهم سليمان حتي وصلوا إليه فتبت سليمان يداه علي كتف ياسر وضحك بسخرية وقال وسط الجميع : نموسيتك غامقة ... كنت فين ياحليوة مالصبح , مدرتش باللي حصل ؟!
ياسر : إنت مالك كنت فين ولا مكنتش حاجة متلزمكش أساساً ومدرتش بإيه ؟؟ بتهلفط بأي كلام وخلاص
سليمان : لا أبداً مفيش ..بس كومة البلاستيك إختفت بس, حاجة تافهة متاخدش ف بالك ,الغريب بقي إنها إختفت بعد ماأنت إختفيت مالصبح
ياسر : ف إيه متجيلي ع الدوغري كدا ,عايز تقول إني خدتها صح؟؟
حسين يعلو صوته قائلاً: ياسر !!.. روح كمل شغلك وهتتخصم يوميتك عشان التأخير بتاع النهاردة
بعد مرور بضع ساعات وإقتربت الشمس أن تودع عنان السماء , يحمل ياسر النفايات التي لم تعد لها أي فائدة ويلقيها خارج أماكن الفرز إذا بحسين يناديه : ياسر ...أنا مسألتكش كنت فين ولا عملت إيه بس يارب ميكونش اللي ف بالي دا حقيقي ويبقي مجرد وهم ..أنا مش صاحبك وبس أنا زي أخوك الكبير لو أي حد مضايقك أو في حاجة مزعلاك فضفض قول متخبيش ..لكن يابني لو حصل اللي ف دماغي لمجرد إنه مش عاجبك حالك كدا يبقي إنت مأذتش نفسك وبس إنت أذيتنا كلنا وقطعت أكل عيشنا وعيش ولادنا
ثم تركه وأدار ظهره ورحل ولم ينتظر حتي أن يرد علي سوء ظنه له أو أن يدافع عن نفسه , وأكمل ياسر عمله حتي إنتهي منه وذهب إلي مأواه لكي يستريح من عبء اليوم وضغوطه .
ظل ياسر هكذا مدة كبيرة غامضاً أمام الجميع لم يكن مفهوما بالنسبة لهم عكس كما كان سابقاً ,يظهر ويختفي فجأة يعاود التأخير عن عمله بين الحين والأخر يتم خصم يوميته كلما تأخر عن العمل ولم يكترث بالخصم يذهب في الصباح الباكر ويأتي عند غروب الشمس . تعجب الجميع من أمره ماهو السر وراء ذلك
وما هو السبب في تغير ياسر وغموض أفعاله التي تغيرت بين العشية وضحاها .
يقف رجلان مفتولي العضلات أمام كهف كبير يبعد عن منطقة تلال النفايات في جبل المقطم ليتوجه إليهم رجلاً يلقي عليهم التحية قائلاً لإحداهما : أنا العتي وعايز أقابل المعلم لمعي
- خليك وااقف هنا.. هبلغ وأقولك تدخل ولا تغور مطرح ماجيت
- اللي إنت عايزه ياريس
بعد عدة دقائق أتي أحد الحراس من الداخل يشاور بيديه لهذا الرجل بمعني لقد أذن له للدخول
حتي وصل الرجل إلي ملك النفايات وتاجرالنظافة وقابله وجهاً لوجه ,إنه رجل طويل القامة يبدو علي وجهه القوة والصرامة يجلس علي الأرض غير مهتم من الأتي له لا ينظر إليه البتة
قائلاً :
تعالي ياسليمان إدخل ياخويا
- تعرفني يامعلم ؟!! أنا أول مرة أشوفك في حياتي
- إلا أعرفك أنا أعرفكم نفر نفر و عارف سبب مجيتك , أنا حبايبي كتيييير وبيخلوني دريان بكل حاجة بتحصل حواليا وأنا قاعد في مكاني هنا أومال إيه ,وكمان عارف اللي حصل مع الواد ياسر .هاتصرف
المقابلة إنتهت ياروح أمك .. بالسلامة إنت
خرج سليمان متوتراً يبدو عليه الرهبة الشديدة إندهش لما تراه عيناه وتسمعه أذنه , يسأل روحه ما الذي سوف يحل به هو وزملائه عن قريب من بطش الساكت وأعوانه.
في إحدي الايام وكانت مجريات الأمور علي مايرام والجميع يعمل بكل حزم يهابون الذي يحدث لهم بمجرد إذا شعروا إن أحدهم يقصر في عمله ولو لحظة ,كان ياسر كعادته التي أصبح عليها يأتي في وقت متأخر ,فعندما وصل إلي تلة النفايات ليكمل عمله لاحظ شيء غريب .. لم يري شخص واقف في مكانه كإن المكان صار خرب واقفاً بين أطلاله لم يسمع صوت لأحد ما ,تعجب ياسر من المشهد وذهب ليبحث عن باقي زملائه ناحية البيوت ,فإذا يفوجيء بعدد من الرجال شداد البنيان يقفون أمامه وخلفه ,يحوطون عليه من كل جهة , فوقف ياسر ساكنا من دهشة الموقف ولم يتكلم البتة حتي إقتربوا منه يمسكونه بيديهم كأغلال تقفل علي يديه وقدميه .. يحملونه حتي وصلوا إلي ساحة واسعة لجراج قديم , قطعوا سيرهم وتوقفوا وانزلوه من أكتافهم فوجد كل زملائه ومعاونيه وجميع العمال وعدد لا بأس به من نفس نوع الرجال الذين أحضروه إلي هنا , مفتولي العضلات طوال القامة يبدو عليهم الشراسة والغضب متفرقين في أماكن مختلفة من المكان حاملين معهم سكاكين وعصيان ومستعدين لإشارة واحدة فقط من الرجل الذي يتوسطهم ألا وهو المعلم (لمعي الساكت), وسط هذا الحضور يقف الجميع كإن علي رؤسهم الطير منتظرين مصيرهم ومصير ياسر من المعلم . إقترب لمعي من ياسر ونظر إليه ثم لاح بيده ناحية وجهه وسدد لكمة أسقطت
ياسر أرضا قائلاً بكل حزم : فاكرني مغفل ياروح أمك مش عارف كنت فين ولا داري باللي بتعمله
؟. فين الفلوس اللي خدتها من الحاج إسماعيل تمن كومة البلاستيك اللي سرقتها ؟؟
لم يجيب ياسر فصفعه لمعي علي وجهه بقوة جعلت وجهه دامي يكاد الدم ينفجر من وجهه من أثر الضرب
- مش عايز ترد أنا هقولك وهقول للناس كلها عشان في ناس متعرفش .. البيه يا خوانا بيسرقكم وبيسرقني بيشتغل لحسابه وفاكرنا نايمين علي ودانا , من إسبوعين فضل مستنيكم لحد ماتخلصوا فرز وتروحوا علي بيوتكم وعبي كومة البلاستيك كلها علي حنطوره لحد الفجر وإستني لما النهار شقشق وراح للحاج إسماعيل وإتكلم بإسمي علي أساس إنه جاي من طرفي راح بايعله الكومة ب 500 جنيه وقبض فلوسها وحطها في جيبه ولا حس ولا خبر . وبقي كل يوم يروح يلم الزبالة مالشوارع ويفرزها عند ساحة الواد حنفي وتاني يوم يروح يبيعها عند الحاج إسماعيل , لولا الراجل الله يكرمه حب يتأكد جالي البيت وشرحلي الدنيا .
ياسر : دا حقي .. طول الوقت شغال مرمطون وأكتر واحد شغال وطالع عين أمي , وإنت واكل حقنا بالإتاوة اللي بت ..ا..
وقام أحد رجال المعلم ببطح رأسه بالعصا حتي ثقل الكلام علي لسانه
- رد علي المعلم عدل يابن الجاحدة
لمعي : زي مانتم شايفين واحد إبن كلب زي دا فاكرني بدفعكم إتاوة ومش بخاف عليكم وواكل حقكم ,أنا بضمن حقكم وضامن مكانكم في الشغل عشانكم وعشان عيالكم
رد الجميع وبينهم حسين مردداً : أيوا يامعلم إحنا معاك مهما حصل
ياسر بعد ماأنهكه الضرب نظر لحسين بكل دهشة : حتي إنت يا حسين بقيت معاهم
حسين : إنت .. تستاهل كل اللي بيجرالك عشان خُنت الأمانة وخُنتنا وأذيتنا في أكل عيشنا وقوت عيالنا وحريمنا , وأنا اللي كنت مش مصدق كل اللي بيتقال عليك وقولت لا ياسر مستحيل يعمل كدا تروح تضربنا من ورا ضهرنا .. صحيح أوسخ منك مشوفتش , انا ولا أعرفك ولا لساني يخاطب لسانك ليوم الدين
المعلم : خلاص كفاية الأفلام العربي دي ... ودلوقتي كله يرجع لشغله يالاااااااا. أما إنت بقي نهايتك علي إيدي ,مالكش مكان عندنا وهترجع تاني مكان ماجبناك تحت الكوبري بهدومك الوسخة حافي علي رجليك بتشحت يا أوسخ خلق الله .
فرمق لرجاله بطرف عينيه حتي أخفي ظلهم وجه ياسر وإنهالوا عليه بالضرب ,فإذا بأحدهم يضربه بعصا من حديد علي رجله والأخرعلي رأسه أفقدته الوعي .
المعلم : خلااااص خدوا الوساخة دي وإرموها في إي مقلب زبالة بعيد عن هنا خالص.
تمر ليلة كاملة علي ياسر وهو ملقي وسط النفايات لم يتحرك ,تتسكع نحوه الجرذان والقطط وهو ساكن كإنه لفافة من الورق أو جسم محنط يحوي روح مجمدة تريد أن تتحرر من أغلالها من خارج قفص سجين محكوم عليه بالموت أو بالعبودية .
يودع الليل الأرض وتتفتح سمائه ليأتي رجل بين يديه أكياس كبيرة من القماش متجهاً نحو صندوق النفايات ويعبث بإحدي يديه داخله ويخرج أحشاؤه ويضعه في الكيس ليفرزه لاحقا ,فإذا ترتطم قدماه بجسم غريب جانب الصندوق فإنتبه وتمعن النظر عن قرب فإذا يري جسم شاب ملقي وسط القمامة متهالكة ملابسه حافي القدمين وجهه مدموم جروحه غائرة من أثر ضرب مبرح , ليصرخ الرجل من هول الموقف وتبتعد خطوات قدمه عن ياسر ظاناً منه إنها جثة قتيل , لكنه شعر بشيء غريب كلما إبتعد عنه يأتي هاتف في أذنه هامساً : إنجدني الله لا يسيئك .. إعتبرني زي إبنك, حاجة صح في حياتك تعملها
فإقترب منه ببطيء وبكل حذر يهز جسمه وتتخبط قدماه جسم ياسر وفعل ذلك مراراً وتكراراً ولكن بلا جدوي حتي إقترب منه ووضع رأسه ناحية صدره فيفوجيء بدقات قلبه , وما لبث حتي حمل ياسرعلي كتفه ومشي به حتي وصل إلي عربته ليجرها الحمار إلي بيته , وبعد دقائق من الوصول حمله ودخل بيته ووضعه علي سريره , ليتحرك ياسر ببطيء شديد والرجل يراقبه حتي بدأ يستفيق وتنفتح عيناه رويداً ويتأمل المكان الذي فيه مردداً بصوت خافت : أنا فين ؟؟ هو أيه اللي حصل معايا ؟!
ليرد الرجل : حمد الله علي سلامتك يابني إنت إنكتبلك عمر جديد ورب الكعبة
نظر ياسر إلي المتحدث يسأله : إنت مين ياحاج أنا معرفكش هي إيه الحكاية ..أنا مالي كدا مش قادر أتحرك ودماغي تقيلة ومهزوزة ومش حاسس برجلي .
- لا خليك مكانك إنت هنا في أمان متخافش ,أنا عمك خميس بتاع نظافة في الحتة اللي جنبينا دي .. ايه اللي حصلك يابني ومين اللي عمل معاك كدا وبهدل وشك بالمنظر دا , هو في حد عايز يقتلك؟!
- أ...أنا .. مفيش كنت معدي ناحية مكان كدا غريب وبليل مافيهوش صريخ إبن يومين طلعوا عليا ولاد الحرام ثبتوني وخدوا كل حاجة فلوسي وتليفوني وهدومي ولبسوني الهدوم دي وقعدوا يضربوني علي رجلي وراسي لحد ماحستش بنفسي ولقيت نفسي هنا
- حسبي الله ونعم الوكيل منهم لله , المهم إنك تكون بصحة كويسة وفي ستين داهية أي حاجة راحت , شكلك مش من هنا أنا أول مرة أشوفك ,شكلك كدا كسيب وصنايعي وإبن ناس محترمين علي قد حالهم
المهم حمد الله علي سلامتك يابني
- الله يسلمك يا حاج خميس , أنا شغال ميكانيكي في عابدين وياريتني ماجيت الحتة دي يالا أهو طار مني زبون كنت هصلحله عربيته وكنت جايله المنطقة دي مخصوص ..يالا الحمد لله علي كل شيء
- خد الشر وراح مش مهم يابني .دا إنت كنت في حالة تصعب علي الكافر ,أنا لقيتك وسط الزبالة مرمي ولا كان حد دريان بيك ومتبهدل وحافي ومتعور من كل حتة لولا الحمد لله ربنا أراد إني ألمحك
- أنا مش عارف أشكرك أزاي ياحاج خميس لولاك كان زماني مرمي ولا حد كان هيحس بيا من أساسه .
- يابني متقولش كدا أي حد مكاني كان هيعمل كدا و أكتر , ألا صحيح إسمك إيه؟
- إسمي ياسر ياحاج
-عاشت الأسامي يا ياسر
- تسلم ياحاج ربنا يديك الصحة وطولة العمر ,انا هضطر أقوم عشان همشي .
بينما ياسر يضع قدمه من علي السرير لتصل إلي الأرض فلا يستطيع الحراك ويقع في التو واللحظة صارخاً من شدة الألم
- مالك يابني في إيه ؟!
- مش قادر أحرك رجلي ياحاج خميس .أهااااااااااا
- إفرد جسمك يابني وحرك صوابع رجلك كدا
- والله ما قادر أحركها خالص
- إنت رجلك شكلها مكسورة لازم أخدك ع المستشفي دلوقتي ,قوم يابني يالا بينا
وضع خميس يد ياسر علي عنقه ليسنده ليصل إلي عربته وذهبا إلي المستشفي تاركاً ياسر يستريح علي إحدي الكراسي وذهب ليسأل عن التمرجي فتحي حتي وجده يمزح مع إحدي الممرضات ,فشده من ذراعه
- إيه في إيه.. إيه دا إزيك ياعم خميس إيه الدنيا ؟
- مش وقته سلامات دلوقتي يا فتحي , معايا واحد رجله مكسورة وعايزين نجبسها له
- عايز تاخد كام؟! بس بلاش تحمرق زي المرة اللي فاتت
- أخد إيه ونيلة إيه دلوقتي , بقلك عايزين نجبس رجله
- طيب ..طيب حاضر ياعم خميس من غير ماتعصب نفسك إديني ربعاية وجاي
وبعد بضعة دقائق يأتي التمرجي فتحي ومعه كرسي متحرك متسائلاً : هو دا ياعم خميس
- أيوا .هوا إنجزنا بقي يافتحي متبقاش لوكعي كدا يخربيتك ..قعد يا ياسر يالا عشان هنجبسلك رجلك دلوقتي
التمرجي :- إنت مستعجل ليه يا حاج خميس مبراحة ياعم (ضاحكا)
- إصدق أنا معنديش مخ إني جيتلك
التمرجي يغمز لخميس: حبيبي يا حاج عيب عليك داحنا بتوع البزنسة والشغل كله
- روح سيح وعلي صوتك أكتر وفرج علينا أمة لا إله إلا الله , يخربيت أمك..
مر أكثر من ساعة ونصف وقام الدكتور بعمل جبيرة لياسر وخرج إلي أخر الرواق , نهايته باب الخروج من المستشفي يستند علي التمرجي فتحي ومعهم الحاج خميس , ينظر التمرجي إلي ياسر : منور ياباشا .. وشك حلو علينا يااااريس والله .. فينك من زمان
يستشيط الحاج خميس غضباً قائلاً له : عنك إنت يافتحي الزفت هات إيدك ياياسر أسندك ..ملكش دعوة بيه ياحمار... فاهم ؟! .
ياسر ينظر لهم في إستغراب وتعجب محدثاً نفسه ماهو السر وماذا يحدث؟ .. وماهي طبيعة الألغاز بينهما وبعد ذلك يوجهون النظر لياسر وبتمعن هكذا ..شيء غريب حقاً
وضع الحاج خميس يده في جيبه ليخرج منها خمسين جنيه ليعطيها لفتحي : خد دول يافتحي عرق تعبك معايا .
يتحدث بصوت منخفض : لا والله ياعم خميس خيرك سابق والله ماهيحصل .. بس متنسناش.. ها ؟!
- حسب التساهيل يا فتحي محبكش دلوقتي يالا إتكل إنت وهتاخد اللي بكرمشهولك ,دي الأصول ياض
- ماشي أحاج خميس علي قولة قولك هاخدها منك ياعمنا ياجاااامد .. بالسلامة أحجيجة مع السلامة يا يسور
وصل الحاج خميس إلي بيته ومعه ياسر وساعده لكي يمد جسمه علي الفراش ليستريح من ألم الضرب وألم قدمه المتورمة .
- انا مش عارف أشكرك إزاي ياحاج بجد ربنا يخليك ويديك طولة العمر والصحة ,ولو فضلت أشكرك طول عمري بردوه مش هيوفي اللي عملتهولي , أنقذتني مالموت, وودتني المستشفي وعالجتني ودفعتلي حق الجبس , مش عارف أودي جمايلك فين ياحاج
- يابني عيب الكلام دا إنت زي إبني وأنا حبيتك لله ف لله
- تسلم ياحاج خميس ربنا يديم المعروف وأنا يعلم ربنا إنك في مقام أبويا بالظبط
- خلاص .. حلو ,حيث كدا بقي يبقي تقولي يابا إيه رأيك
- ماشي كلامك ..هقولك يابا ,بس ممكن أستفسرعن حاجة
- إتفضل يابني قول اللي عايز تقوله
- هو إنت متجوز ومخلف ؟ .. أصلي لامؤاخذه شايفك قاعد في البيت دا لوحدك ومفيش حد !!
يخفض عينيه ويتكلم بضيق : لا ..يابني أنا مراتي ماتت من سنة ونص ومكناش مخلفين
يداعبه : إنت لسة ف عز شبابك أحاج متتجوز تاني .. وأنا إبنك أهو بردوه
- طبعا يابني دا أنا هبقي أسعد واحد في الدنيا هو أنا أطول يبقي ليا إبن زيك , بس هطلب منك طلب صغير
- إنت تأمر ياحجيجة.. إتفضل
- تعيش معايا .. أدام وافقت إني زي أبوك, وأنا مليش حد وهتكون مونس وحدتي وهتساعدني في شغلي والدنيا هتمشي ,وبعدين إنت محتاج اللي يراعيك دلوقتي , متقدرش تتحرك ولا تمشي أنا هنزل الشغل لوحدي لحد أما تقف علي رجلك وتبقي زي الفل وبعدين القُفة اللي ليها ودنين يشلوها إتنين إيه رأيك يابني ؟؟, بالله عليك ياشيخ مترفضليش طلبي
مكث ياسر يفكر في هذا الوضع الجديد ووجد إنه لو رفض عرض الحاج خميس وتركه لن يجد مأوي وسيصير ككلاب الشوارع بلا مأوي ولا طعام ولا شراب فرد عليه مبتسماً: ماشي كلامك ياحاج
- أيوا كدا يابني فرحت قلبي ربنا يفرحك دنيا وأخرة
مر شهرين وبدأ ياسر يقف علي قدمه ورجع إلي أحسن حالاته وشفي من الجروح التي علي وجهه لكنها تركت له علامات بعض الشيء ونتوء صغيرة لولا بشرته السمراء لكانت ستكون ظاهرة أكثر مما هي فيه
وبدأ ياسر علاقته تتوطد مع الحاج خميس بشكل سريع حتي لم يسأله عن أهله أو حتي مسكنه أو حتي ماضيه وتاريخه , فقط كم السعادة التي يشعر بها الحاج خميس وشعوره بشعور الأب نحو ولده هذا هو فقط
بعدها بدأ ياسر يساعد الحاج في عمله يذهبان معاً ويعودان إلي بيتهم في مساء كل يوم يعدون الطعام سوياً يتقاسمون النوم علي فراش واحد فهو بيت ضيق وصغير غرفة واحدة يتوسط طريقين لعبور السيارات جانب مقلب القمامة , وبعده بناصيتين تقع المستشفي التي تم فيها تجبير قدم ياسر .
مرت شهور علي هذا الحال ولم يتغير شيء ,بل زاد تعلق الحاج خميس بولده ياسر وأصبح يخاف عليه من ملابسه حتي ولو الهواء الطائر أوحدوث أي مكروه له . أما بالنسبة لياسر فزاد حبه لهذا الوضع أكثر فهو ينام في أي وقت أراد ويأكل ويشرب ويطلب المال من خميس ولم يتأخر عنه, فالحال ميسور وبكثرة ,فمن شدة حبه لياسر يهون عليه أي شيء حتي المال , لكن بدأ ياسر يتعجب لهذا الأمر يطلب المال من والده الجديد ويعطي له أضعاف مما يطلبه. ففي تارة أعطاه مئتين جنيه وفي أخري أعطاه ربعمائة , كيف لعامل نظافة وجامع قمامة ويعمل بمفرده يأتي بهذا المبلغ .. هذا غريب حقاً .
وفي إحدي المرات قام التمرجي فتحي بزيارة بيت الحاج خميس وكان في وقت العشاء وجلسا الجميع يتسامرون ويمازحون بعضهم بعضاً وفي أخر الزيارة يخرج فتحي وخميس ناحية الباب يتحدثون بصوت منخفض , بعدها يخرج فتحي من حقيبته الصغيرة كيس إسود ويعطيه لخميس قائلاً له : دول ياعم خميس بتوع أخر حتة واللي قبلها .. دول8000
- تسلملي يافتوحتي ..أيوا كدا
في هذا الوقت كان ياسر يقف خلف الباب من الداخل ويسمع كل مايقال من بداية خروجهم إلي أخر الحديث
إستمر هذا الوضع لمدة سنة وأكثر وياسر يريد أن يعرف ماهي الحكاية وكيف يأتون بهذه المبالغ الطائلة وماهي طبيعة المصلحة التي تدور بين عامل نظافة وممرض مستشفي ؟!
ظل فضول ياسر هكذا حتي إنتهز غياب خميس في عمله وظل يبحث عن المال الطائل الذي يخبأه والده عنه, يبحث هنا وهناك داخل البيت حتي وجدهم مرصصين في أكياس تحت أربع بلاطات من أرضية البيت , فإذا يري عدد من الاكياس حوالي اكثر من إثني عشر كيس و دفنوا تحت عمق كبير بعد فك البلاطات مع حرص شديد في تركيبهم مرة أخري حتي لا يلاحظ أحد بذلك , أعاد ياسر وضع الأكياس مكانها وأعاد تركيب البلاطات بشكل كما كانت عليه ووضع الحصير مكانه كأن شيء لم يكن.
بعد بضع دقائق يدق الباب ويفتح ياسر ليجد فتحي أمامه
- فتوح ..حبيب قلبي ,إتفضل ياعمنا البيت بيتك
يدخل فتحي مبتسماً : سلاموا عليكم . ازيك ياصاحبي عامل إيه .. إيه الدنيا ؟؟
- فضل ونعمة من ربنا أنا الحمد لله كويس
- أمال أبوك فين ؟؟
- تلاقيه بس راح يفرز الكياس وهيخلص ويجي , إنت مستعجله في حاجة ؟
- لا .. براحته مش مستعجل بس عايزه في مشوار كدا ,هنخلصه
- أها ..عارفه المصلحة ماهو أبويا قالي
- قالك أيه دا ؟؟
- أتكلم بصراحة ولا أكذب ؟!!.. بص هو إنت شوفتني عملتلك حاجة وحشة قبل كدا من ساعة ماعرفتني ؟؟
- الشهادة لله لا .. لا والله إنت واد مية مية و رجولة ,, قالك ايه يا ياسر؟
- قالي علي طبيعة المصلحة اللي بتجيبم وراها الفلوس دي كلها والسمسرة بتيجي إزاي و الحتة بتبقي واقفة بكام ومخباش عليا حاجة
تتغير ملامح وجه فتحي من الرعب : وبعدين ؟ .. كمل
- هو أها رعاني وإعتبرني إبنه بس هقول الحق . جاب سيرتك من ورا ضهرك و قالي إنك طماع وبتكسب من وراه ع قلبك أد كدا وبياخد الفتافيت وإنت بتاخد الهوبر, ولو طال يجيب رقبتك الأرض هيجيبها قبل ماتتعشي بيه ويتلف حواليكم حبل المشنقة , وناوي يستكفي عن المشوار دا وهيصدرك ..بس.. ودا كلامه وربنا يشهد عليا ياعم يوم القيامة
- وانت إيه مصلحتك بقي ؟
- أنا مليش مصلحة أنا قلت حاجة إتقالتلي ولو سكت هبقي معاه مش معني إنه بيصرف عليا ويأكلني أبقي انوي معاه الشر لحد أبداً , دا أنا حتي عرفت بيخبي فلوسه فين كلها.
يبتسم فتحي بلهفة : فيين ؟!!
- وهو أنا أهبل يافتحي أأقولك فين وتاخدهم لوحدك
- خلاص ننصص .. وإنت اللي تجيبهم .وياعم هطلع برا كمان عشان تجيبهم مطرح ماهو مخبيهم براحتك
يقهقه ياسر قائلاً : يالئييييم ..لا يافتوح أنا واثق فيك بس علي شرطين بطلبهم منك
- قول ياباشا .معاك ف أي حاجة ياريس
- اول شرط تقولي ليه بتاخد المصلحة من واحد بتاع زبالة وكمان بتديله فلوس ومش أي فلوس بالألوفات ,تاني شرط بقي هقولهولك بعد ماتحكيلي
- بص ياسي ياسر .. خميس بيلم زبالة المستشفي وبيرميها ف حتة نائية عشان دي مخلفات مينفعش تترمي هنا ولا هنا .المستشفي تتحاسب عشان هي الوحيدة في المكان دا مفيش غيرها , بس خميس مش بيعمل كدا بس بيستلقط أي حد بيتعامل معاه بقي شحات , زبال زيه , أي حد وبعدين بنخدره في المستشفي وبنفضيه خالص وبعد كدا بنديه لخميس بيتصرف ويخلص من التيكت , وكإن مفيش حاجة حصلت, إنت عارف وصل بيه الطمع لحد فين؟! , دا إستلقط مراته وخدرها بنفسه هنا وجابهالنا المستشفي وإتحايل علينا نفضيها عشان يسترزق منها , شوف الوساخة
- يانهااااار إسود ,, دا كان بيقولي إنها ماتت من سنة ونص ... , وبعدين تقصد تيكت دي إيه ؟! .. تقصد الجثة يعني ..طب وبتخلصوا منها إزاي؟
- الله ينور عليك .. بص ياسيدي بالمادة الكاوية كل حاجة بتتحلل لو أجعصها فيل بيتحلل ويبقي تراب ولا ليه وجود .. دا بقي الشرط الاول وقولتهولك أهو , طب والتاني بقي ؟!
- حلو .. الشرط التاني قبل ماديك الفلوس وننصص عايزك تخلص من خميس ..
- إيه ؟!!
- زي مابقولك متتفجعش كدا ..أومال هناخد الفلوس ونهرب وهو ممكن يفضحك وهو معالهوش دليل إنه مشترك معاك ياغبي, إنت إيه, دي فيها إعدام يابا .. ومتنساش تجيب معاك المادة اللي بتقول عليها .
ظل ياسر يقنع فتحي بكل دقة وهو حريص كل الحرص وهو يتكلم معه ,حتي وافق فتحي علي الفورللتخلص من خميس قبل أن يتخلص هو منه . و رحل فتحي عن البيت وإتفق مع ياسر سيتم تصفية خميس عندما يحضر المخدر والمادة الكاوية وسيتم التخلص منه عند زيارة فتحي لهم في أقرب وقت بحجة إعطاء المال لخميس مثل كل عادة . سنحت الفرصة وكان قد وصل لياسر خلسة وأعطاه المخدر والمادة ,لكي تتم العملية علي أكمل وجه, وجاء يوم زيارة فتحي لهم وجلسوا علي المنضدة يتناولون الطعام ويمازحون بعضهم ويتسامرون وينظر فتحي لياسر نظرة ترقب لكي يخدر خميس , فإذا بفتحي يشعر بدوار ويهتز رأسه يميناً ويساراً وثقل لسانه وفجأة أغشي عليه , قام خميس وياسر من مكانهما بسرعة وحملاه علي أكتافهم ووضعوه علي العربة حتي وصلوا لمكان بعيد ناحية جبل المقطم ووصلوا لسفح الجبل وربطوا فتحي من يديه وقدميه ووضعوه علي الأرض وصبوا عليه المادة الكاوية حتي بدت ملامحه تتأكل وتتغير بشكل أسرع
نظر خميس له قائلاً : دي جزاة وساختك يادني يامعفن عايز تخلص مني ..يالا خدت الشر وراح. نظر لياسرقائلاً : دلوقتي يابني أنا اللي بشكرك عشان فوقتني وحذرتني منه كتيير بس أنا اللي كنت بصهين وأديك عرفت الحقيقة كلها مني ,وإني كنت دايما بشوف ف عينيه إنه عايز يخلص مني بأي شكل عشان مافضحهوش , بس كان لازم أعمل كدا يابني عشان لا أضرك ولا أضر نفسي ,بس بوعدك من دلوقتي إنها صفحة قديمة وإنتهت خلاص وتوبت إلي الله وهنعيش بالحلال
- وأنا معاك يابا وإيدي في إيدك نبدأ من جديد ومن حلاله نعيش , بس هو ليه طلعتنا كل المسافة دي في الجبل ؟ مكنا نخلص تحت
- اصلك مش واخد بالك مالريحة المادة دي بتحرق والعياذ بالله في الجسم فبتطلع الريحة لو كنا عملناها تحت كان ممكن نتكشف وتبقي مصيبة وبعدين اللي هنا بيتحلل في نص ساعة بيبقي تحت بياخد اكتر من ساعة ونص ساعتين
- أهااا ..هههههههههه فهمان إنت يابا منك نستفيد , إيه دا إصدق مش قادر أتنفس يابا مالريحة بدأت تبان هات الازازة دي أحطها ع العربية وإحنا نازلين..
فأعطاه أياها ,لكنه مالبث يدور خميس بظهره حتي فتح ياسر القارورة وعندما إلتفت ألقي ماتبقي منها عليه, أخذ خميس يصرخ ويتألم من قوة تأثير المادة التي تشوه وجهه وصدره تماماً حتي بدأ يتحرك ناحية حافة الجبل ليبتعد عنه لكن ياسر يقترب منه ببطيء بعينين يخرج منهما السخط قائلاً : انا بقيت زي ورقة اللوتاري كدا ملمومة ع كومة ورق ماعدش ليها فايدة ولا أي لازمة , بريمو أهاا وبتكسب . بس إيه فايدتها لما تكون الورقة دي مرمية وسط إخواتها ف مقلب زبالة واحد ومصيرها مفيش حد خالص هيلاقيها, ولو لقاها حد هيكون الوقت إتأخر وطلعلها ريحة ماهي إتعدت من إخواتها .
أهو الطماع اللي مالوش حظ في البلد دي كدا . عايزني أطمنلك إزاي وأصلا إنت قتلت
مراتك عشان الفلوس ,عارف مشكلتي إيه إني عارف كلاب الفلوس اللي زيي بيبيعوا أقرب حد ليهم عشان الجنيه . ولو شافك جنيه هيحطك لامؤاخذة ف جيبه.
لا يستطيع خميس أن يتحرك مكانه كإنه من شدة الخوف إلتصقت قدماه مكانها وبدت ملامح الغضب علي وجه ياسر حتي تفاجيء خميس بركلة أسقطته من أعلي الجبل صريعاً, ليكمل ياسر طريقه المنشود نحو المستقبل المُرحب به وليعود إلي المال الذي أصبح له عبداً جديداً يُمتَلك من جديد ..