سناء الشعلان تحاور الأديب العراقيّ عباس داخل حسن | صور
في زيارته الأخيرة للأردن قادماً من فنلندا التي اختارها مهجراً له، أو اختارته لذلك، كان هذا اللّقاء معه.
إطلالة على عباس داخل حسن: قاص وناقد عراقيّ، تولّد في عام 1962م في العراق، بدأ مع المسرح وعمل في مجال الصّحافة الأدبيّة، نشر كتاباته القصصيّة والنقديّة في عام 1982 في مجلّة الطّليعة الأدبيّة ومجلّة فنون، ثمّ غادر العراق في عام 1991.هو مقيم في فنلندا منذ عام 1993.
لديه عدد من الإصدارات القصصيّة والنقديّة، كما عمل محرّراً ومستشاراً لبعض المجلّات الفكريّة والأدبيّة، ومراسل لجريدة "بانوراما" في اسكندنافيا. وهو عضو اتّحاد الكتّاب والأدباء في العراق، وعضو نقابة الصّحفيين الوطنيّة في العراق. كما هو عضو في أكثر من جمعيّة ثقافيّة في أوروبا والمشرق العربيّ، وهو مؤسّس ومدير مركز التّنور الثّقافيّ في فنلندا – تامبرة.
- أين تقف الرّواية العراقيّة الآن؟ وما التّجارب والتّيارات الجديدة التي تميزها؟ وماذا عن النّقد؟ هل هو متقدم أو متأخّر على الفن الرّوائيّ في العراق؟ وهل تعاني الرّواية العراقيّة من المشاكل؟
الرّواية هي الجنس الأكثر استيعاباً للتّحولات التّاريخيّة والإنسانيّة، فما حدث بعد الاحتلال الأمريكيّ صدّر ما يقارب ألف رواية لكتّاب عراقيين، وشبهه البعض "بالانفجار الرّوائيّ"، وإنْ تربّعت الرّواية -بوصفها جنساً أدبيّاً- على المشهد الإبداعيّ، وهذا دفع بعض المهتمّين والنّقاد إلى صفها بـ"ديوان العصر" والمشهد الرّوائيّ في العراق أصبح لافتاً للنظر كمّاً وكيفاً، وحصدت الرّواية العراقيّة العديد من الجوائز، وتُرجمتْ إلى لغات عديدة.
أمّا النّقد في ظلّ غياب المجلّات المتخصّصة والمجاملات الإخوانيّة والشّلليّة، فقد بات المشهد النّقديّ رماديّاً، وهذا ينطبق على الجامعات؛ فكثيراً ما تنحاز في تناول الإعمال الرّوائيّة إلىن منطلقات بعيدة كلّ البعد عن القيمة الرّوائيّة التي تُعدّ عملاً جماليّاً فنّياً قائماً بذاته ولذاته، وتخضع أحياناً للمناطقيّة والطّائفيّة والأجندات السّياسيّة، ويجب على النّاقد كقارئ حصيف التّمتع بأعلى درجات النّزاهة الجماليّة ليكوّن موقفه الجماليّ الذي يضع الخلاصة للقارئ؛ لأنّ مفهوم النّقد اليوم هو إبداعٌ على ابداعٍ، ونصٌ على نصٍ.
وعن الشّقِّ الثّاني من السّؤال حول إن كانت الرّواية العراقيّة والعربيّة تعاني من مشاكل ما، فأقول نعم، وعموماً الرّواية العربيّة تعاني من استسهال الكتّاب في الكتابة وفوضى النّشر وعدم وجود خبراء في دور النّشر للتّقييم والتّحرير، وأصبحت العمليّة تجاريّة منفلتة دون وجود أدنى المعايير في بعض دور النّشر.
-بماذا تميّز الأدب العراقيّ بعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق 2003م؟
بعد زوال مرحلة الاستبداد على يدّ الاحتلال الأمريكيّ للعراق ظهرت الطّائفيّة والعنف الدّمويّ، وبطبيعة الحال الأدب هو مرآة صادقة لبيئته، فنلاحظ بجلاء في الرّواية العراقيّة صعود الهويات الفرعية وتراجع الهويّة الوطنيّة، وإضافة إلى تماثلات العنف الدّمويّ والخوف، ولتقديم تأمّل خاصّ للمشهد الرّوائيّ العراقيّ بعد 2003م، يلزم المزيد من الوقت؛ لأنّ الرّواية عالم يعجّ بالحالات الإنسانيّة الموغلة في واقع تاريخيّ، وعلينا رصد صيرورتها من زاوية التّخليق والتكوين والإكراهات التي فرضها الوضع الجديد.
- ما المسوّغات الموضوعيّة لظاهرة القصّة القصيرة جدّاً وانتتشارها؟ ولماذا توليها الكثير من الاهتمام وتبدو شغوفاً بها؟
القصّة القصيرة جدّاً إشكاليّة في التّعريف والنّشأة، ويبقى الجواب على هذا السّؤال في نفس الدّائرة؛ فتحوّلات الحداثة الصّلبة إلى سائلة واقتصاد العولمة وروح الابتكار الرّقميّ فرضتْ علينا هذه الحكاية المدهشة التي تتلاءم وروح العصر، وقد لخصّها الرّوائيّ البرتغاليّ "خوزيه بيكسوتو" في قوله: " نمرُّ بسرعة من الدّراما الكتاكاليّ التي يدوم عرضها ثلاثة أيام إلى التّراجيديا الإغريقيّة التي تدوم ليلة كاملة إلى الأوبرا التي تستغرق ساعات إلى الفيلم ثم الفيديو كليب والوصلة الإعلانية من عشرين ثانية وصولاً للقصّة القصيرة جدّاً من ثانية واحدة.
شغفتُ بالقصّة القصيرة، وأدمنتها "وأكتب كلّما حكَّتني يدي" كما يقول "جورج اوريل". من هنا أعتقد أنّ عمليّة "قول الأكثر بالأقل؛ لأنّ الأقل هو الأكثر" يتحقّق من خلال القصّة القصيرة جدّاً المبنية على الاختزال والتّكثيف والمفارقة والدّهشة، وباتت القصّة القصيرة جدّاً طاغية الحضور، لا يخلو التّعاطي بكتابتها من قبل البعض والطّارئين عليها من الخلط مع أجناس وأنواع نثريّة أخرى، وهذا يحتاج إلى ورش نقديّة دؤوبة وفرز دائم بعيداً عن التعميمات الفضفاضة والأحكام الجاهزة.
- في مجموعتكَ القصصيّة البكر (خطى فراشة) عودة إلى أماكن الطّفولة والحنين لها، وفي مجموعتكِ الثّانية (مزامير يوميّة) يطغى عليها الاغتراب والإحساس بالعزلة والحنين للوطن. فما تسويغكَ لذلك؟
أعتقد أنّ البشريّة اليوم مصابة بمرض "النوستاليجيا" الشّوق أو الحنين للماضي لأسباب عديدة؛ منها اغتراب الذّات الإنسانيّة وصعود اللّيبراليّة الجديدة واستخدام العولمة للهيمنة من خلال شركات النّهب متعدّدة الجنسيّات، وأنا على المستوى الشّخصيّ يمثّل لي البوح الحكائيّ تعويضاً موضوعيّاً؛ فـ "خطى فراشة" وبعض قصص "مزامير يومية" هي تعبير صارخ عن الشّوق المبرح للخلاص من المنافي وتعمياتها القاتلة من الأسى والاغتراب، والبحث عن وجودنا الإنسانيّ السوي؛ فالعودة للذّاكرة والتّذكّر لأماكن الطّفولة وغوايات المراهقة الأولى نتيجة الحرمان والفشل ولو بزيارتها ولم يحصل.
إنّ الصّراع الدّامي في العراق على السّلطة أفسد علينا العودة إليها ثانية، فنخلقها على الورق يكون معادلاً موضوعيّاً لشحنات متضاربة من المشاعر والأحاسيس وإحالات الذّاكرة خوفاً من النّسيان الذي يمثّل المحو والموت. وهذا شيء مؤلم.
وفي مزامير خطاب إنشاديّ عن البؤس وخيبات الأمل وانكسار الإنسان العراقيّ المترع باغتراب عجيب غريب عبرت عنه دلالات القصص القصيرة جدّاً، نتيجة ما جرى، ويجري من قتل ودم وفوضى واستباحة لمقدّرات بلد عريق. إنّ الحنين للوطن هو ليس مجرد الحنين للمكان، بل هو انتماء وهوية، وهو من عناصر الكينونة الإنسانيّة كما يقول الفيلسوف "غاستون باشلار" هو :" طبوغرافيا وجودنا الحميم".
- في لقاء سابق معكَ على بعض المواقع الإلكترونيّة دافعتَ عن الكتاب الورقيّ والمجلّات الأدبيّة الورقيّة المتخصّصة على الرّغم من أنّنا نعيش ثورة رقميّة لا نعرف آفاقها، وهي تبدو أغرب من الخيال. ماذا تقول في هذا الشّأن؟
انطلاقاً من معايشتي وتجربتي الشّخصيّة في أوروبا لم أجد تراجعاً للكتاب الورقيّ على العكس، فقد أضافت التّقنيّة الرّقميّة رواجاً للكتّاب والمجلّات الورقيّة المتخصّصة، ما سيختفي هي الصّحافة الورقيّة ووجود الكتاب الإلكترونيّ والمسموع هو إضافة مختلفة تماماً، ولها متعتها، وسهّلتْ علينا الكثير، وإن كان البعض لا يوليها اهتمام الكتاب الورقيّ أو العكس، ولا أعتقد أنّ الانترنت سحب البساط من تحت المطبوع الورقيّ تماماً كما يروّج لهذا الرّأي.
سيبقى للورق سحره ومتعته ورائحته؛ ففي أمريكا وأوروبا نجد كتاب الجيب ومطبوع الطّفل والمجلّات الثقافيّة والموضة في المولات ومحطات الوقود وسفن نقل المسافرين والمقاهي.
- يلحظُ اهتمامكَ بحقوق الملكيّة الفكريّة وحقوق المؤلّف وما يجاورها، ولكَ العديد من النّدوات، ومؤخراً كان لكَ حوار مفتوح في جمعية الفيحاء الثقافيّة في العاصمة الأردنيّة عمان حول الأمر ذاته. فماذا تقول حول ذلكَ؟
وضع حقوق الملكيّة في الوطن العربيّ وضع كارثيّ بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى بسبب غياب الوكيل الأدبيّ الذي يتولى مسّؤولية الدّفاع عن المؤلّف، وغياب التّشريعات القانونيّة في بعض الدّول العربيّة، والتّعامل باستخفاف من قبل المحاكم المحليّة واتّحاد الأدباء والكتاب بموضوع حقوق المؤلّف، وسبق وأنْ طرحت مبادرات بهذا الموضوع في العراق، لكن للأسف حتى أصحاب الحقّ سكتوا عن حقهم.
أكاد أجزم أنّ معظم المبدعين لم يطّلعوا على مفهوم حقوق المؤلّف والحقّوق المجاورة، وأتمنى أن تلقى مبادرتي الأخيرة طريقها للتّنفيذ من قبل رئيس جمعيّة الفيحاء الثقافيّة ووزارة الثّقافة الأردنية ليكون الأردن في مقدمة الدّول في هذا المجال الحقّوقي، والاهتمام لطالما يوجد في الأردن حركة ثقافيّة وإبداعيّة مائزة في كلّ المجالات والفنون.
- ما آخر مشاريعك الإبداعيّة؟ وحدثنا عن سبب توقفك عن الكتابة لمدة 17 عام بين 1993-2010م، وما الصّعوبات التي واجهتها في العودة إلى الكتابة؟
لدي الكثير من المشاريع لكن وجودي في بلد الصّقيع والثّلج والعزلة القاتلة وعدم وجود مردود أو دعم ماديّ يؤخّر إنجاز الكثير من الأعمال، لكن لدي مخطوطتان جاهزتان للطّبع، وستريان النّور قريباً، ومجموعة قصص قصيرة جدّاً "الحبّ قويّ كالموت" مخطوطة إضافة إلى أفكار أخرى مدونة.
أمّا عن توقّفي عن الكتابة بسبب ظروف العيش والاشتغال بعيداً عن الهمّ الإبداعيّ بسبب المنافي والاستقرار (قلق كأنّ الرّيح تحتي)، بعد العودة أعدّها مرحلة موت سريري، وهذا شيء مؤلم وقاسٍ جدّاً لا يعرفه إلاّ من جرّبه وتجرّعه.
- في العقد الأخير برزتْ ظاهرة الجوائز الأدبيّة للرّواية وسائر الأجناس السّرديّة، ما قراءتك لها. وهل ساهمتْ في ترسيخ المشهد الإبداعيّ؟
كتبتُ كثيراً في هذا الخصوص، وأنّي –دائماً- أرى الكأس نصف ممتلئ؛ فالجوائز والمسابقات قدّمت الكثير للمبدع العربيّ، وإنّ الجوائز الأدبيّة حديثة العهد عربيّاً، وليس بالضّرورة أنّ الأعمال الفائزة هي الأفضل فنيّاً وجماليّاً، لكن الجوائز ساهمتْ بتحسين وضع الإنتاج الثقافيّ والأدبيّ، ولا أغفل مسألة مهمّة؛ فهي تخضع لاعتبارات سياسيّة ومناطقيّة وأجندات مختلفة وصولاً لجائزة نوبل العالميّة، هناك روائيون عرب وصلوا إلى العالميّة، ومنذ ثلاثين عاماً أسماؤهم على قائمة نوبل، ولم يحصلوا عليها، وهم يستحقونها بجدارة.
- لكِ حضور في الصّحافة الأدبيّة والسّياسيّة، وعملتُ في أكثر من مجال فيها. حدّثنا عن تجربتكَ هذه.
الرّأي السّائد وأنا معه هو أنّ الصّحافة تؤثّر على عمل الأديب والمبدع، وتأخذ الكثير من وقته، وباتتْ عاملاً سلبيّاً على المبدع بدرجة ما. لكن للصّحافة غوايتها الآسرة وللعمل الصّحفيّ لذة مختلفة في التّعبير إزاء الأحداث الآنيّة وقضايا المجتمعات والثّقافة، ومعظم كبار الأدباء والأكاديميين مارسوا الصّحافة إلى جوار أجناس الكتابة الأخرى، ولهم بصمتهم التي لا يغفلها القرّاء، وأحيانا تمثّل الصّحافة مصدر رزق للكثير من الأدباء نتيجة عدم وجود منح، أو إجازات تفرّغ للكتابة، إضافة إلى عدم وجود مؤسّسات متخصّصة تتبنّى المنجز الإبداعيّ في عالمنا العربيّ ، فيضطر البعض إلى العمل فيها؛ لأنّها تبقيه في دائرة الكتابة والإبداع .
- منذ شهر ونيف تعيش مجاورة ثقافيّة في الأردن . ماذا تقول عن هذه المجاورة من ناحية الفكرة وتبلورها، وتطبيقها على أرض الواقع؟
في البدء فكرة المجاورة الثقافيّة طُرحتْ من قبل الدّكتورة سناء الشّعلان، وهي من لدن مشاريعها الثقافيّة والإبداعيّة، وهي فكرة ليستْ مستحدثة، لكنّها في حاجة إلى جهد جهيد ودعم ماديّ للأسف لم يتوفر من أيّ جهة.
فتحمّلنا معاً أعباء هذه المجاورة، فكانتْ فعاليّة ناجحة، سال لها لعاب الكثيرين بعد أنْ لاقت أصداء طيبة جدّاً، وبصراحة ودون مجاملة حرّكت المشهد الثقافيّ، وهي غير مسبوقة عربيّاً، وكانتْ تقتصر على الجامعات الأكاديميّة إلى حدّ ما.
إنّها صرخة في وجه بعض المتقوقعين والمتعاطين النّمطيين للثّقافة ودحر مقولة "ليس بالإمكان أحسن مما كان" بل أثبتت الشعلان أنّه يمكن فعل الكثير على الرّغم من تقاعس المؤسّسات الرّسميّة وغير الرّسميّة عن دعم الثّقافة والإبداع .
- ما انطباعكَ عن زيارتكَ هذه للأردن لا سيما فيما يخصّ النّقلات الحضاريّة فيها وشكل المشهد الثقافيّ فيها؟
أقول وبصراحة وموضوعيّة أنّ الأردن قفز قفزة كبيرة ومهولة في مجال العمران والبُنى التّحتيّة واستخدام التّكنولوجيا. عدتُ إلى الأردن بعد 28 عام من مغادرته، وكان التّغيير الحاصل صادماً بالنّسبة لي على الأصعد كافّة، ومنها الثّقافيّة، فلم يمرّ يوم دون نشاط ثقافيّ وإبداعيّ إضافة إلى ذلك زيارتي لبعض الجامعات التي تُعدّ الرّافعات الحقّيقيّة لتطوّر أيّ مجتمع، والأردن باتْ مركز استقطاب للتّعليم الجامعيّ بكلّ فروع المعرفة العلميّة والإنسانيّة.
وعمان مدينة كوزوموبوليتانية يعيش بها الجميع بحبّ وسلام وأمان بائن للعيان، ولاتخطؤه عين أيّ زائر أو مقيم من خارج الأردن ومن كلّ أقطار المعمورة.
- لقد كان لكَ نشاطاً ووجوداً ظاهريّاً في المشهد الثقافيّ الأردنيّ العراقيّ طوال مجاورتكَ الثّقافيّة في الأردن. ماذا قدمتَ لها المشهد؟ وماذا قدّم لكَ؟
حاولتُ جاهداً أن أكون متواجدّاً قدر الإمكان في المناسبات الثّقافيّة والاجتماعيّة كلّها، وأنا أسلّط الضّوء، وأتحدّث عن الحياة الثقافيّة في العراق لاسيما ما بعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق عام 2003م. وأعتقد من خلال التّغطيات الإعلاميّة بات جليّاً ما قمنا به والدّكتورة سناء الشّعلان من نشاط واضح لكلّ المهتمين بالشّأن الثّقافيّ العربيّ مما دفع البعض أن يحسدنا أو يغبطنا على ذلك. ولكلّ امرئ على دهره ما تعود في قراءة تجارب ومغامرات الآخرين من منطلق التّقييم والرّصد.
وأجزم أنّ البعض مصاب بالعنّة الفكريّة والإنسانيّة، وجلّهم من أتباع السّلطة، ويحاولون تجميل تخادمهم الفجّ، وهؤلاء كمن يطلق الرّصاص على قدميه بتفاهاته وتركيزه على الأمور الشّخصيّة بعيداً عن المنجز الإبداعيّ.
أنا شديد القلق من الأدلجة والشّخصنة المهيمنة على الثّقافة والإبداع. أؤمن بمقولة مايثو أرنولد: "ما عادت الثّقافة نقداً للحياة، بل هي نقد يوجّهه الشّكل الهامشيّ من الحياة للشّكل المهيمن".
من هذا المنظور أرى يجب على المجاورات الثقافيّة "أنْ تتحوّل من حالة فرديّة هامشيّة إلى حالة تطّور فكريّ للمجتمع ككلّ بما تنتجه من حراك ثقافيّ وتلاقح إبداعيّ".
- عمّ تمخّضت المجاورة الثقافيّة بينك وبين د. سناء الشّعلان؟ وما هي المراحل المستقبليّة منها؟
بلا أدنى شك هذه المجاورة الثقافيّة عرفتني على الكثير من القامات الأكاديميّة والإبداعيّة الأردنية المشهود لها عربيّاً وعالميّاً، وأعادتني من جديد إلى مقاعد الدّراسة مع طلبة الجامعة الأردنية التي تحاضر الشعلان فيها أستاذة للأدب الحديث. كما حالفني الحظّ للتعرّف على جوانب أخرى من اهتمامات الشّعلان بوصفها ناشطة حقوقيّة وإنسانيّة.
لقد تبلورتْ عندي معرفة عميقة ودقيقة للدّكتورة سناء الشعلان عن كثب عبر معرفتي لتفاصيل كلّها، ويومياتها جميعها، وليس عبر منجزها الكبير في الرّواية والقصّة والمسرح والنّقد فقط. وهناك جانب إنسانيّ عظيم في شخصيتها لا يمكن معرفتها إلاّ بالمعايشة كاهتمامها بالطّفولة والمرأة والإنسان والغرباء والمستضعفين، وشهدتُ بعض نشاطاتها في هذا الجانب الذي لا تفصح عنه لخصوصيته عندها، والأمر متروك لمن عرفها عن كثب، وشاركها ببعض هذه النّشاطات الإنسانيّة للحديث عنه بالتّفصيل.
مستقبلاً لدينا الكثير من المشاريع المشتركة التي سترى النّور قريباً، بعضها منجز، والبعض الآخر ربما يصدر –في القريب- في كتاب عن هذه التّجربة التي أعدّها رياديّة في الوطن العربيّ لما لاقت من زخم إعلاميّ واهتمام غير مسبوق.
- في ضوء تجربتك هذه هل تنصح الأدباء العرب بتعميم تجربة المجاورات الثّقافيّة والأكاديميّة والإبداعيّة بينهم؟
أعتقد أنّ المجاورة ليس رحلة سياحيّة، أو التقاء كاتبين، أو صديقين مبدعين كما يتصوّر البعض، بل هي معرفة على المستوى الإبداعيّ والثقافيّ بمعنى آخر "هي دينامية علاقات الذّات والآخر مركزيّة؛ لأنّها تمكّننا من معرفة أحدنا للآخر، فلا بدّ من شجية تربطنا كبشر وأداء يرسخ هويتنا الإنسانيّة كلّ هذا يعتمد على الثّقافة والإبداع".
وأتمنى على من يريد خوض هذه التّجربة أن يبتكر أسلوبه الخاصّ كما فعلت الدّكتورة الشّعلان التي صنعتْ من هذه الفعاليّة تجربة متفرّدة بامتياز، وبذلتْ جهداً شاقّاً وملحوظاً أستطيع أنْ أجزم وأقول سيستفيد منها كلّ من يريد خوض التّجربة مستقبلاً لتكونَ أكثر إمتاعاً وغنى.
- هل لكَ أن تذكر لنا بعض القصص القصيرة جدّاً التي شُغفت بها، وبقيتْ عالقة في ذاكرتكَ من هذا الكمّ اللامحدود والمهول المنشور في الصّحف ومواقع الانترنيت؟
لدي أرشيف كبير للقصّة القصيرة جدّاً نقداً وكتابة، واحتفظ بكلّ قصّة تعجبني. والقصص المختارة تخضع لذائقتي كقارئٍ شغوفٍ بالقصّة القصيرةِ جدّاً.
أ- التّعاون مع ذبابة:
أضع الكلمة على الصّفحة، تضع الفاصلة
ليديا ديفس – أمريكا الشّماليّة
ب- مسير:
في طريقي إليكَ لاحظتُ أنّ حذائي بالٍ "جدّاً"..
فعرفتُ أنّي على هذا الطّريق منذ وقت طويل..
فعدتُ أدراجي، وتركتُ حذائي يواصل مسيره إليك.
مطيعة محمد أحمد – السودان
ج- أيّها القناع الصّغير، أعرفك جيداً
الفكاهة والحياء يسيران سويّة بصورة عامة، ولن تكون أنت استثناء. فالفكاهة قناع والحياء قناع آخر.
فلا تدع أحداً ينتزعهما منكَ دفعة واحدة.
أوغستو مونتيروسو - غوانتيمالا
د- الصّاعقة التي ضربت مكاناً مرتين:
ذات مرة ضربتْ صاعقة مكاناً واحداً مرتين، لكنّها اكتشفتْ في المرّة الثّانية أنّها تسبّبت في المرة الأولى بما يكفي من الأضرار؛ لذلك صكّت أسنانها مزمجرة أسفاً.
إدوردو غاليانو – الاورغواي
16- كلمة أخيرة تودّ قولها؟
لم يُخلَقْ بعدُ مَنْ يفكُّ مغاليقَ الوجود
كلُّ ما هو مطلـوب منِّا
أغنيةً من القلبِ
لكلِّ الفصــول