محمد آيت علو يكتب..كورونا بين الترقب والاحتمالات
ها نحن نتابع الأحداث عن كثب هنا أو هناك منتظرين فرج الله ومدده، فنصبغ بعضها بحالتنا النفسية المشبعة بالآمال وبكثير من التفاؤل، لكن سرعان ما نتراجع فجأة حينما نتلقى أنباء أخرى تفيد بأن الأمر ليس يسيراً، بل يزدادُ تعقيداً، ثم يزداد التعقيد على كونهذا الفايروس يشكل محنة كبرى وتهديداً حقيقيا للبشرية، على أن معدل الإصابات تدل على مدى اتساع رقعة انتشاره، وتخبرنا كذلك الأرقام الرسمية التي تعلنها الدول على تفاقم الوضع، وازدياد أرقام الوفيات جراء الإصابة بهذا الفيروس الفتاك. هنا تكثر التساؤلات التي لاحصر لها، وتزداد التكهنات وتتنوع السيناريوهات، ولا أحد يستطيع التكهن، لكن الكل صار مقتنعا بأن أشياء كثيرة ستشهد وستعرف تغييراً في المستقبل، وسيصبح حدث كورونا حدثا تاريخيا سيغير العالم، كإشراقة جديدة لعهد جديد، مثلما كانت الحوادث التاريخية سببا للتأشير على بداية مرحلة أخرى جديدة، كأحداث تؤرخ لمرحلة ونهاية اخرى.
وأن تداعيات مستقبلية عديدة ستكون ماثلة أمام فكر ومخططي السياسات العالمية، بل وسنكون أمام مستقبل جديد لمختلف العلاقات والقيم.
ومهما يكن فعلينا أن نتقبل الوضع وإن جاء بشكل فجائي، وهو شيء جديد لم نعهده، ولذلك علينا أن نكون مرنين، وأن نعتاد التحول في كل شيء لأن هناك متغيرات في الحياة باستمرار، هذا وإن حاولنا الحفاظ جاهدين على أن نلتزم بتصرفاتنا كالمعتاد، فإن حالة الانتظار والترقب والتغيير في السلوكات أمور فرضت ذاتها، وندرك بأن لكل شيء بداية ونهاية، فقبل يومين استبشرنا خيراً بعودة الحياة تدريجيا ب"ووهانالصينية"معقل انطلاق هذا الفايروس،ثم إذا بنا نتراجع بعد ذلك مباشرة حينما تعلن إيطاليا ودول أخرى بالاتحاد الأوروبي مثل فرنسا والبرتغال واسبانيا التي انتهجت النهج نفسه باستثناء مجال البناء، مؤكدة على ضرورة الحذر واستمرار الحجر الصحي مما يعطي الانطباع بأن لا شيء متحكم فيه حتى الآن، فإلى أين؟؟
وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها بلدنا من أجل الحد من هذه الجائحة، لا أحد يستطيع التكهن، أو وضع سيناريوهات، لأنه من السابق لأوانه الخوضُ في ذلك، وفي نهاية المطاف لايعدو أن يكون تفلسفا، لأنَّ التفلسف أداة معنى وطاقة لاحتمال وجودنا المشترك الذي ينال أكبر مساحة من حياتنا، كما أن الاستفهام بصدد أوضاعنا الصحيةِ سؤالٌ لاحتمالات أخرى جديدة في دائرة الفلسفة،وإن كانت في نهاية المطاف ستبدو احتمالات ليس إلا، كما أنها ستكون عديدة لا نهاية لها. إنها سيناريوهات متنوعة ونحن أمام واقع يفرض ذاته وبقوة، وأمام جائحة وعدُوّ لا يُرى، ويزحف سريعا ويحصد الأرواح، لكن بناء على معطيات سابقة وحالة الانتظار، يجعلنا أمام تكهنات متنوعة وسيناريوهات شتى، علىأن من بين السيناريوهات والتي تفرض نفسها وبإلحاح والبادية حتى الآن السيناريو الصعب نظرا لما يجري في دول الجوار وإن كان يبدو قاسيا، والمتمثل في محاولة الاستمرار للوضعية الراهنة وذلك بالاحتراز والصرامة وتطويق الانتشار الواسع لـلفيروس بمزيد من القيود القانونية على الحركة، وفق المادة الثانية من المرسوم 2.20.292، لكن المنطق يقتضي الحسم بعد السيطرة على الفيروس، على أن سيناريو آخر يتسم بتفاؤل قد يبدو مبالغا فيه حيث التعامل مع الشك برفع تدريجي للطوارئ الصحية، فتعود بعض الأنشطة الاقتصادية في انتظار أخرى تحسبا لأي مفاجأة،وإن بدا بأنه صعب حتى الآن والمتعلق بحالة الطوارئ الصحية، القائمة حاليا في كل أنحاء البلاد، فإننا نتساءل عن إمكانية رفعها بعد مرور خمسة عشر يوما مع الحذر، والتدرج في الرجوع إلى مرحلة ما قبل تفشي كورونا ببلادنا؛ وإن بدا أننانعيش المرحلة الثانية من تفشي كورونا بعد بروز بؤر تتشارك السكن وأماكن العمل، ومن السابق لأوانه الخوض في سيناريوهات رفع حالةالطوارئ الصحية، ولن يكون الاطمئنان بانتظار وهم نقطة الذروة (pic)، بل بشفاء آخر حالة بالمغرب وعدم وجود إصابة جديدة، كما أن حالة الطوارئ وحدها لا يمكن أن تحل مشكلة هذا الوباء، فكل شيء رهين بحالة الطوارئ والمسؤولية الاجتماعية للفرد، فقد تصبح نقطة انتشار جديدة للفيروس أو نقطة ذروة، فكل هذا مرتبط بمدى تحمل المسؤولية الاجتماعية للفرد. والتحلي بالصبر لأن مناعة الفرد من مناعة المجتمع.
ومهما يكن فإن تفاؤلنا وبناء على معطيات ميدانية واقعية، والمشروطة بمدى الالتزام والتحدي والاستمرار، وذلكبالتقيد والاتباع للتدابير الاحترازية والتي تم اعتمادها والمتخذة لتجاوز الأزمة كاستراتيجية فعالة وإجراء احترازي مجرب، والذي أثبت نجاعته وذلك من أجل مقاومة انتشار الفيروس في غياب اللقاح...،وأن مناعة الفرد ضد هذا الفيروس رهين بمناعة المجتمع، وهذه الأخيرة لن تتحقق إلا بالرفع من حس المسؤولية الاجتماعية لدى المجتمع ككل، فإلى حدود هذه الأسطر فإن الجميع ملتزم وصار يدرك بضرورته لتجاوز هذه الجائحة، كما أن حالات الاستشفاء طفت على السطح، بل أكثر من ذلك أن حالتين تتجاوزان تسعين سنة، ورضيع كلهم يتماثلون للشفاء، مما يجعل مجال الاغتباط والحالة المعنوية ترتفع لدينا.
ومهما يكن من أمر فإن هذا الداء كما أشرنا في بعض الأوراق السابقة مفصلا جديدا لمختلف العلاقات بل وإعادة سكتها للجادة والصواب وللقيم ولو نسيبا، وسيصبح حدث كورونا حدثا تاريخيا سيغير العالم، مثلما كانت الحوادث التاريخية سببا للتأشير على بداية مرحلة أخرى جديدة، كأحداث تؤرخ لمرحلة ونهاية اخرى.
تبقى الإنسانية هاجسا مشتركا في المكافحة والتصدي للوباء والكوارث، ومن هنا ضرورة التحلي بالوعي والانضباط والالتزام بالارشادات،وأخذ الاحتياطات اللازمة وتقدير الظروف، لقد آن الأوان لنكون صفا واحداً ولنرفع من اليقظة، وطالما مبادراتنا دوما إيجابية سنتحدى كل الصعاب...