"الميت" قصة قصيرة لـ "شيماء عبدالناصر"
مات، فتحت عيني، تثاءبت وتمطيت بنعومة، النوم اللذيذ هو الذي يشعر الإنسان بالكسل الحلو بعد الاستيقاظ منه، وأي نوم وأي لذة، لقد حلمت أنه مات سعادتي غير متخيلة، لقد مات، لقد مات، سعيدة أن اليوم هو الجمعة، مات الجمعة، قمت، تناولت الشيكولاتة التي أعشقها على روح المرحوم في الصباح، بعدها شربت القهوة المنعشة وأنا مزاجي يشبه رقرقات مياه على نهر فائض تحركها الأمواج إلى اليسار بقبلة وإلى اليمين بقبلة، فكرة موته هذه فكرة عظيمة، شكرًا للأحلام، ما المشكلة في أن يموت؟، الكثير يموتون، لماذا لا يموت هو؟، أحسن شيء أن يموت في الأجازة، لو ذهبت إلى العمل لن استطيع تمثيل الحزن ولا استطيع الفرحة براحتي، اسمع أغاني، أرقص على "واحدة ونص" أتناول إفطاري ببطء ولذاذة، أمضغ العيش بالجبن، كأنه طعام من الجنة، نعيم نعيم يا عزيزي الميت، أين كانت هذه الفكرة؟!.
يا مزاجي الجميل، انعم بالسعادة العطرة الفاتنة، لقد مات.
في اليوم التالي ذهبت إلى العمل على أتم ما يكون من الأناقة والعناية بنفسي، الجميع مستغربون، فستاني حلو وماكياجي لطيف، وابتسامتي تفرس أعدائي وأضحك، وأضحك، الضحك مجاني هذا اليوم، حينما أتى صاحبنا الميت، ابتسمت وضحكت، منذ متى لم أضح هكذا من قلبي، قلت في نفسي:
- أنت مت، استرحت منك، أراك كيانًا هلاميًا واهيًا، لا إزعاج بعد اليوم، ولا أحد سيعرف سبب سعادتي هذه.
مر اليوم والأيام التالية كان الميت يأتي فيها وربما تحدث مشكلات عويصة وأنا لم أتحرك خطوة عن قراري في موته، كان الميت ميتًا، وكنت أنا سعيدة، سعيدة.
تذكرت الأيام الخوالي قبل الحلم، ياه، لقد كنت عبيطة، أعمل مشكلة على شيء تافه، مع واحد ميت.
ومن كثرة ما هي الفكرة جميلة، وعقلي الرائع أقنعني بها بشدة فقد حدثت مشكلة أخرى في العمل مع زميل آخر اليوم، عدت منهكةً، نمت من دون وجبة الغداء المحببة، والآخر مات، عقلي يشاركني في الأمر، يالسعادتي وهنائي، لديّ عقل نابه، وعظيم، يريحني ويعطيني الحل السحري، مات الآخر واستيقظت فرحة، مات ومرت المشكلة بسلام، أليس هذا الأمر مدهش وخيالي، تحدث المشكلة، أنام، يموت، أصحو في هناء وسعادة، أقفز وأتنطط كالعيال، أخرج في المساء، أتناول المثلجات، وأطير فوق الكورنيش، ألعب كرة القدم مع الأطفال الصغار، أتشاجر معهم وأخطف منهم المصاصة والبالونات، وأحكي لهم حكاية الرجل الذي مات، أهددهم وهم بعقولهم الصغيرة، سيد من يصدق، فيعطونني مصاصاتهم وبالوناتهم، وأجري وأضحك ويخافون من الموت، وأنا أنام وأحلم، كل ما علي أن أنام وأحلم، ثم تتحول الدنيا إلى أطياف مشبعة بدندنة الأوتار.
وأضحك، وأغني وأرقص، لقد أصبح الأمر حلوًا وممتعًا بشكل غير طبيعي، أثناء المشكلة غفوت، وأنا واقفة، وماتت في الحال، شهور وأسابيع، كل مشكلة بموته، لم أخبر أحدًا بسري هذا، لكن يومًا من أيام الجُمع المنعشة اللطيفة، جاءني اتصالًا من زميلة، تخبرني أن الثلاثة ماتوا، ظننته حلمًا هو الآخر، ظللت أضحك، أضحك بدون توقف، حتى بعد مرور سنوات لا زلت أضحك في غرفتي بصوت عالي.