اسامه شمس الدين يكتب..آليات الدساتير المصرية في حمايــة الوحــدة الوطنيـة
تعتبر الوحده الوطنيه عنوان التلاحم والتألف بين أبناء لشعب الواحد والأمة الوحدة، ولقد كان واضعي دساتير مصر جميعها لديهم من الحرص المعنوي ما يلزمهم بتضمين تلك الدساتير أليات حماية تلك الوحدة، ولقد فرضت طبيعة الحياه السياسية المصرية وطبيعة نظرة الشعب لرئيس الجمهورية أن يكون ضامنًا لحماية الوحدة الوطنية ومسئولاً عنها، كما أن بعض الدساتير قد قسمت مسئولية حماية الوحدة الوطنية على كلا من رئيس الجمهورية، والشعب، حال قيام خطر يهددها.
فقد نظمت المادة (74) من دستور (1971) حالات التدخل العاجل لرئيس الجمهورية بهدف حماية الوحدة الوطنية ، حيث نصت على أنه (لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ويوجه بيانا للشعب،ويجب إستفتاء الشعب علي ما إتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من تاريخ إتخاذها)، وتلك المادة ليس لها نظير في الدساتير السابقه علي دستور (1971) ويظهر من صياغتها أنـه قصد بها إعطاء رئيس الجمهورية سلطات استثنائية في حالة قيام خطر يهدد الوحدة الوطنية .
ويشترط لتطبيق أحكام تلك المادة عدة شروط هــي :
قيام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري.
أن يكون الخطر استثنائيًا وجسيمًا وجديًا وحالاً ومرهوب النتيجة.
أن تعجز القوانين أو الوسائل العادية عن التغلب عليه.
ويترتب علي ذلك حق رئيس الجمهورية في إصدار قرارات بقوانين في حال وجود مجلس الشعب، وليس في غيبته كما في المادة (74) من الدستور الملغي، وقد وضعت التعديلات الصادرة عام (2007) بعض القيود علي صلاحيات رئيس الجمهورية في اصدار تلك القرارات بقوانين، حيث أوجبت على رئيس الجمهورية:
أخذ رآي رئيس مجلس الوزراء، ورئيسي مجلسي الشعب والشوري.
عدم جواز حل أيًا من المجلسين خلال تلك الفترة.
خضوع تلك القرارات بقوانين الي الاستفتاء العام المباشر خلال ستين يومًا من اتخاذها.
والحقيقة أن تطبيق هذة المادة يعد أمر بالغ الخطورة ولا يجوز اللجوء اليها إلا في الحالات الإستثنائية بالغة الخطر، كأن يحدث نوعا من العصيان بين قطاع عريض من قطاعات الشعب، أو أن يخرج المجلس النيابي عن إختصاصة كلية بأن يعلن النظام الملكي بدلاً من النظام الجمهوري مثلا أو يعطل السلطة القضائية، أو ان يوقف العمل بأحكام الدستور أو أن يحتل جزء من السكان البلاد بحيث يتهدد البلاد كلها خطر كاسح، أو أن تنزل - لا قد الله – بالبلاد مجاعة يتعذر تداركها بالوسائل العادية، أو أن يعم البلاد وباءً خبيث يتعذر حصرة، أو نشوب حرب عالمية او محلية،أو وقوع أزمة إقتصادية،أو إنتشار الفتنة الطائفيـة، أو وباء أو جائحة عالمية أو محلية وفقًا لاقرارات منظمة الصحة العالمية. أو ما الي ذلك من أخطار داهمه تهدد كيان البلاد تهديداً جاداً وحالاً وخطيراً يبرر اللجوء الي الإجراءات الإستثنائية السريعة التي تقتضيها مواجهة هذه الأخطار .
ولا يكتمل الشكل القانوني لتلك الاجراءات إلا من خلال قيام رئيس الجمهورية باجرائيين هما:ـ
توجيه الرئيس بيان للشعب يوضح فيه الخطر الإستثنائي الطارئ وما يترتب علية من مخاطر وما إتخذه من إجراءات لمواجهته.
إستفتاء الشعب علي ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من إتخاذها.
ويعتبر الاستفتاء هو الضمانه الوحيدة التي قيد بها الدستور رئيس الجمهورية للحد من سلطاته، وقد عاب بعض الفقه علي المشرع الدستوري عدم افصاحة عن الأثر القانوني المترتب علي عدم اقرار الشعب لتلك الاجراءات في الاستفتاء، وما اذا كانت في حكم المنعدمه أم يسري الإلغاء إعتبارًا من وقت عدم موافقة الشعب عليها؟
بينما لم ينص دستور مصر الصادر عام 2012 على الوحدة الوطنية سوي في موضعين هما ديباجه الدستور والمادة الخامسة:
حيث ورد في ديباجة الدستور أن (الوحدة الوطنية فريضة، وركيزة بناء الدولة الوطنية الحديثة وإنطاقها نحو التقدم والتنمية، ترسخها قيم التسامح والإعتدال والوسطية وكفالة الحقوق والحريات لجميع المواطنين دون تفرقة بين أبناء الجماعة الوطنية الواحدة).
بينما نصت المادة الخامسة علي ان (السيادة للشعب يمارسها ويحميها، ويصون وحدتة الوطنية، وهو مصدر السلطات وذلك علي النحو المبين في الدستور )، وهذه المادة تعتبر تكرارًا لنص المادة الثالثة من دستور 1971.
في حين صمت المشرع الدستوري عن تحميل رئيس الجمهورية أي التزامات أو واجبات حيال صيانه الوحدة الوطنية، ونري أن رئيس الجمهورية لا يحتاج الي نص دستوري لممارسة دوره في حماية وصيانة الوحدة الوطنية، حيث يعد ذلك دورًا أساسيًا لرئيس الجمهورية تقضية طبيعة أدأه لمهامة.
وفي اعقاب ثورة (30) يوليو (2013)، تم اجراء تعديلات دستورية موسعة لدستور عام (2012) نتج عنها في مجال الحفاظ على الوحدة الوطنية الابقاء علي مضمون المادة الثالثة من دستور 1971 والمادة الخامسة من دستور (2012).
حيث نصت المادة الرابعة من دستور (2014) علي أن ((السيادة للشعب وحدة، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية، التي تقوم علي مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك علي الوجة المبين في الدستور).
وفي النهاية فإن حماية الوحدة الوطنية واجباً وحقًا لكل أبناء الشعب الواحد سواء مجتمعين او منفردين لا تفرقة بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الدين او اللون أو المعتقد أو الانتماء السياسي، او المستوي الثقافي أو الإجتماعي، وما يهم في مجال حماية الوحدة الوطنية هو أن يظهر التكاتف والتألف بين أبناء الشعب الواحد باعتبارهم كيان واحد وجسد واحد لأمة واحده، وتعتبر مصر من الدول المتفرده والمتميزه بهذ النوع من الحماية.
اسامه شمس الدين
كاتب وباحث قانوني