الإرهاب.. المفهوم والأسباب وأبرز الجهود والإسهامات لمحاربته في كراسات تنوير 22
حول مفهوم الإرهاب وأسبابه والجهود والإسهامات في محاربته على معظم الأصعدة يدور العدد الجديد من "كراسات تنوير 22" من اعداد الباحث في حركات الإسلام السياسي حسام الحداد، واهتمت الكراسة بعدد من العناوين الفرعية من بينها "المعنى اللغوي للإرهاب" حيث كلمة الإرهاب تشير بوجه عام إلى أي شخص يحاول أن يدعم أراءه بالإكراه أو التهديد أو الترويع ولم تتعرض المعاجم القديمة لكلمة الإرهاب في اللغة العربية ويرجع البعض ذلك إلى أنها كلمة حديثة الاستعمال ولم تكن معروفة في القديم وفي المعاجم الحديثة كلمة الإرهاب مصدرها أَرْهبْ يُرهبْ إرهابَا وترهيبَا وأصله مأخوذ من الفعل الثلاثي يرهب حيث قال ابن منظور : ( رَهَبَ يَرهَبُ رَهَبَةٌ ورُهبًا : أي خاف، وأرَهبه ورَهَبه واسترهبه: أخافه وفزعه) وهكذا يتضح أن لفظة الإرهاب يشير إلى معنى الخوف أو التخويف وقد وردت لفظتا (رهب وأرهب)في القرآن الكريم في مواضيع عديدة فمن القرآن الكريم : (يَا بَنِي إِسرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمتي الَّتِي أَنعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأوفُوا بِعَهْدِي أوفِ بِعَهْدِي أوفِ بِعَهْدكُمْ وَإِيَايَ فَارْهَبُونِ ).
أما المعنى الاصطلاحي للإرهاب، حيث مرت الظاهرة الإرهابية بمراحل تاريخية عديدة شهدت خلالها العديد من التطورات النوعية طالت صورها وأهدافها ودوافعها وآلياتها وواكبت ذلك جهود دولية وأكاديمية عديدة استهدفت هذه الظاهرة بالدراسة والتحليل وبالبحث عن الحلول من أجل وضع حد لتداعياتها وقُدمت عشرات التعريفات من أجل الوقوف على مدلولها الدقيق ولكن ليس هناك اتفاق على تعريف واحد للإرهاب سواء على مستوى الحكومات والمنظمات الدولية أو حتى بين الأكاديمين المهتمين بمعالجتها من الفروع المختلفة
وهناك تعريفات تركز على الناحية القانونية (لامشروعية العمل الإرهابي ) يندرج تحت اللامشروعية القانونية التعريفات الصادرة عن المنظمات الدولية والتعريفات الصادرة عن الحكومات والأجهزة الرسمية داخل الدولة ومن أظهر الأمثلة على ذلك القرار رقم 6449للجمعية العامة للأمم المتحدة المعتمد في 9 ديسمبر 1994بعنوان التدابير الرامية للقضاء على الإرهاب الدولي حيث قدم توصيفًا للإرهاب مفاده أن الأعمال الإجرامية التي تهدف إلى إشاعة الرعب في صفوف العامة أو جماعة من الأشخاص أو حتى أشخاص محددين تحقيقًا لأهداف سياسية هي أعمال لا يمكن تبريرها مهما كانت المبررات التي تتذرع بها أو تستند إليها سياسية أو فلسفية أو عقائدية أو دينية أو غير ذلك من الذرائع ، كذلك فإن قرار مجلس الأمن رقم 1566 لعام 2004 يقدم تصورًا للإرهاب بأنه الأعمال الإجرامية بما في ذلك تلك التي ترتكب ضد المدنيين بقصد إلحاق الموت بهم أو إصابتهم بإصابات جسمانية خطيرة أو أخذ الرهائن بغرض إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين أو لتخويف جماعة من السكان أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به والتي تشكل جرائم في نطاق الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة بالإرهاب ووفقًا للتعريف الوارد فيها لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف تبريرها بأي اعتبارات ذات طابع سياسي أو فلسفي أو عقائدي أو عنصري او عرقي أو ديني أو أي طابع آخر من هذا القبيل ويهيب بالدول أن تمنع هذه الأعمال وان تكفل في حالة عدم منعها المعاقبة عليها بعقوبات تتماشى مع ما لها من طابع خطير.
وهناك اتجاهات تركز على الناحية الأخلاقية للعمل الإرهابي فعلى الرغم أن نعت الإرهاب يرتبط عموما بالتحقير والإزدراء واللاشرعية واللاأخلاقيةفإن ثمة دراسات أضفت شيئًا من الشرعية على بعض الأعمال الإرهابية باعتبارها مبررة ارتباطًا بنبل الأهداف التي تستهدفها إذ ليس كل الأعمال التي ينعتها البعض بالإرهاب تتساوى طبقًا للمعايير الأخلاقية فمثلًا تقول( تيكمان Teichman ) بأنه لابد أن نعترف بأن الإرهابيين ليسوا دائمًا وبالضرورة على الجانب الخاطئ وعليه فإن التعريف الحديث للإرهاب يتعين ان يتضمن كونه تمردًا ذا أهداف خيرة لكنه ذو وسائل سيئة وأن ليس هناك ما هو مشروع أو غير مشروع أخلاقيًا في حد ذاته وأن نتائج العمل هي التي تبين ما إذا كان عملًا صحيحًا أو خاطئًا وبالتالي فالأعمال الإرهابية جيدة إذا كانت تستهدف أهدافًا جيدة وسيئة إذا كانت تستهدف أهدافًا سيئة.
وهناك اتجاهات للتعريف ركزت على الدعاية باعتبارها أحد مقومات العمل الإرهابي الرئيسية ويتأسس على ذلك حقيقة أن الغرض الرئيسي من الإرهاب هو جذب اهتمام الرأي العام إلى قضية معينة يسعى مدبرو العمل الإرهابي إلى إبرازها وتركيز الأضواء عليها وترى ( مارثا كرينشو Martha Crenshaw )أن المحرك الأساسي المشترك للمنظمات الإرهابية هو كسب الإعتراف أو جذب الانتباه إلى القضايا التي تتبناها أو كما يقول ( ثورنتون Thornton )إن هدف العمليات الإرهابية هو التعريف بالأسباب التي دفعت إليها وتستمد الأعمال الإرهابية فعاليتها من جذب الانتباه ارتباطًا بكون العنف وسفك الدماء هي أكثر الأعمال إثارة لفضول واهتمام البشر وفي ظل عالم اليوم فإن الفرصة تكون سانحة أمام المنظمات الإرهابية لنشر قضاياها أمام العالم بأكمله حيث الجماهير الكبيرة والأكثر تنوعًا وبالتالي تتزايد عمليات الإرهاب الدولي الرامية إلى كسب الإعتراف العالمي كما تتصاعد وتيرو العنف التي تنطوي عليها هذه العمليات.