كيف تقود إثيوبيا حوض النيل إلى المخاطر ؟ .. دراسة تكشف التفاصيل
ذكرت دراسة حديثة لمركز فاروس للدراسات الافريقية إنه عبر عشر سنوات من التفاوض بشأن سد النهضة عملت دولتا المصب -مصر والسودان- في دفع إثيوبيا نحو التوافق على صيغة تعاونية مؤطرة قانونيا تضمن صيانة الأمن الإنساني لملايين البشر سواء القاطنين في الدول الثلاث أطراف المفاوضات أو في مجمل حوض النيل الذي إذا انقسم إلى فريقين بين دول للمنابع ودول للمصب تنتهي كل صيغ التعاون الفنية التي عاشت على مدى ٧٠ عاما في أطر مختلفة كان آخرها مبادرة حوض النيل، وفي المقابل تبرز صيغ من الصراعات متفاوتة القوة والمستوى خصوصا مع وجود مشروعات لبناء سدود في دول أخرى بما يضع السودان أمام مخاطر ويفرض على مصر تحديا وجوديا سوف تستجيب له بالتأكيد.
وأضافت الدراسة أنه في هذا السياق من المهم التعرف على ملامح التعنت الإثيوبي وقضاياه والمناهج الإثيوبية التي أنتجت مثل هذا التعنت سواء بتحليل الخطاب السياسي والإعلامي الإثيوبي أو باكتشاف الذهنية التي أنتجت هذا الخطاب، وفي الأخير النتائج المتوقعة للحالة الراهنة من التوتر في حوض النيل وتداعياتها على السلم والأمن الإقليمي في ثلاث مناطق هي لصيقة بمصالح عربية ودولية.
أولا: حالة الذهنية الإثيوبية تجاه مصر
وتابعت الدراسة أنه تشير أدبيات الاجتماع السياسي ودراساته أن الذهنية الإثيوبية تتميز بملامح من التعالي على محيطها الإقليمي الأفريقي، وهو إحساس بالتميز ناتج عن الامتدادات الحضارية الإثيوبية المعروفة بحضارة أكسوم، وفي هذا السياق فإن الدوافع التنافسية مع مصر ذات الامتداد الحضاري الأكثر عراقة وتأثيرا واحتفاء في السياق العالمي تبدو حاضرة في الذهنية الإثيوبية ومحل غضب ربما بسبب فوارق التقدير بين الحضارتين في السياقات التاريخية والثقافية إقليميا وعالميا، وذلك إلى حد تضمين مفردات الحضارة الفرعونية المصرية في مناهج المدارس حول العالم.
ولفتت الدراسة أنه ويبدو أن الذهنية الإثيوبية قد بحثت في معطيات هذه الحضارة المصرية القديمة، التي تعتبرها منافسة فوجدت ضالتها في النيل، خصوصا مع مقولة هيرودوت الشهيرة بأن “مصر هبة النيل“ التي بنت حضارتها وتقدمها عليه.
ثانيا: أسس الخطاب الإثيوبي وأدواته في معركة سد النهضة
وأوضحت الدراسة أنه اعتمد الخطاب الإعلامي الإثيوبي على أمرين أساسيين؛ الأول هو المظلومية، وذلك بهدف جلب التعاطف الدولي مع مسألة تبدو إنسانية في مظهرها، وهو تكتيك مستجلب من الأدبيات الإسرائيلية في طرح القضايا، والثاني هو وضع مصر في مظهر الدولة الاستعمارية المسيطرة على موارد مملوكة للغير.
واشارت الدراسة انه في خطاب المظلومية اعتمدت إثيوبيا على الفقر والحرمان من الكهرباء في إثيوبيا، وربطهما بالحرمان من مياه النيل، وأن هذا النيل سوف يقود كل تنمية في إثيوبيا، ويتجاهل هذا الخطاب حقيقة أوضاع إثيوبيا الداخلية الناتجة وحالات الصراع الممتدة بين مكوناتها القومية، وهو الصراع الناتج من عملية تأسيس الدولة التي تمت على يد الإمبراطور ملينك الثاني والتي قامت على أسس الضم بالقوة للأقاليم المتاخمة للهضبة الإثيوبية، وطبقا لذلك فإن الاندماج الوطني الإثيوبي يبدو شبه مستحيل مع متوالية الحروب الثأرية بين القوميات الإثيوبية بمعدل مرة كل ربع قرن وبتحالفات متغيرة بين القوميات، حيث تحالف التيجراي والأرومو مثلا ضد الأمهرة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بينما تحالف الأمهرة والأرومو ضد التيجراي مؤخرا، وهو ما أنتج الحرب على إقليم تيجراي التي تم فيها تدمير كل مقومات التقدم في الإقليم ومنها محطة للكهرباء كانت منحة من صندوق أبو ظبي.
واكدت الدراسة وربما يضاف إلى ذلك أن مصادر الطاقة قد تعددت في العصر الحديث، فلم تعتمد فقط على الآلية الكهرومائية، ولكنها تعددت حاليا لتمتد لمصادر الطاقة المتجددة، والبترول والغاز.
ولفتت أنه في مكونات الخطاب الإثيوبي بشأن وضع مصر في ثوب استعماري، فإنه يتجاهل عدة أمور؛ الأول أن نهر النيل نهر دولي مشترك -أي ملكية مشتركة- لجميع دول حوضه، وبالتالي لا يمكن تصنيف مصر طبقا لهذه الوضعية بالاستعمارية، ثانيا لم يكن لإثيوبيا أي إسهامات تاريخيا في مناهضة الاستعمار لا على المستوى الفكري ولا على المستوى الحركي، وذلك لسبب موضوعي وهو أنها لم تكن أبدا مستعمرة من جانب الدول الاستعمارية الكبرى بسبب صعوبة تضاريس هضبة الحبشية التي ترتفع عن سطح البحر لما يزيد عن ١٣٠٠ متر.
من هنا لم تقاوم الاستعمار بينما ساهمت مصر في الحركة الفكرية الأفريقية وهي المعروفة بالأفريقانية عبر توفيق دوس الذي ساهم في مؤتمرات هذه الحركة في كل من باريس ولندن، ثم ناهضت مصر الاستعمار كقائد أفريقي لحركة التحرر الوطني في الخمسينات والستينات، وساهمت بشكل فعال في تحرر العديد من الدول الأفريقية حين ساندت حركات التحرر الوطني، ودفعت مقابل ذلك عداء بريطانيا والولايات المتحدة التي خططت لسد النهضة الحالي عام ١٩٦٣ من جانب مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي، وذلك رغبة في تطويق جمال عبدالناصر ومشروعه التحرري عربيا وأفريقيا.
واوضحت الدراسة أنه وعلى الرغم من فساد معطيات الخطاب الإعلامي الإثيوبي -كما أسلفنا- فإن أديس أبابا قد نجحت في ترويجه لأسباب تتعلق بالفاعلية، واستخدام الدبلوماسية الشعبية ومنظمات المجتمع المدني ومنصات التواصل الاجتماعي بكافة اللغات، وكلها أدوات تم إهمالها من جانب دولتي المصب مصر والسودان، حيث اعتمدت القاهرة على أدواتها الرسمية فقط سواء على مستوى القيادة السياسية أو الوزارات والأجهزة المصرية المعنية بالملف، أما السودان فقد تم خداعه استراتيجيا من الجانب الإثيوبي سواء في فترة حكم البشير أو بعد الثورة، ذلك أن النخب السودانية الفنية تم منعها في عهد البشير من دراسة تداعيات سد النهضة على السودان، وتم الركون إلى مقولات أن السودان سيحصل على الطاقة بمقابل زهيد، كما أنه سوف يتخلص من سلبيات فيضان النيل الأزرق، أما بعد الثورة فقد كان للدور النشط الذي لعبه آبي أحمد في التفاعل مع المكون الثوري السوداني دوره في تعط