لبنان بين أزمات السياسة والاقتصاد .. دراسة تكشف الأوضاع في بيروت
كشفت دراسة للمركز الفرنسي للأبحاث والدراسات الدولية أنه يواجه لبنان أزمة مزدوجة تجمع بين الخلل في بنية نظامها السياسي وأزمة اقتصادية لم يسبق له أن شهدها على مدار تاريخه المعاصر. ولا ينحصر الانهيار المريع في تجاوز سعر الدولار عتبة أحد عشر ألف ليرة في السوق الموازية، بل يتمثل في استعصاء سياسي مع الفشل في تشكيل الحكومة العتيدة منذ اغسطس الماضي، وفِي تمادي المنظومة المتحكمة بانتهاك حقوق المواطنين مع الازمة المعيشية الخانقة واستمرار حجز الودائع، وكذلك في تمييع وعدم استكمال التحقيق في فاجعة المرفأ من اجل حماية خفية للمرتكبين والمهملين واستهتار بالضحايا وعدم اهتمام بتدمير نصف العاصمة وتضييع دور لبنان كنافذة للمشرق على العالم.
وتابعت الدراسة أنه تهدد أزمة الكهرباء بدخول لبنان في حالة من العتمة الشاملة رغم ان الهدر والانفاق على الكهرباء هو السبب في أكثر من اربعين بالمئة من المديونية العامة. وفي زمن جائحة كورونا يهجر الاطباء لبنان ومثلهم الكثير من المهندسين والكفاءات. وتطال الازمة بالطبع القوى الامنية والجيش مع مخاطر انعكاسات ذلك ولا يتردد وزير داخلية تصريف الاعمال بالكلام عن الفوضى والانفلات.
استعصاء مستمر
ولفتت الدراسة أنه منذ كارثة مرفأ بيروت في الرابع من اغسطس الماضي، ينتظر اللبنانيون التوصل الى حل سياسي أبناءً على المبادرة الفرنسية، ولكن الحل عرقلته قوى التعطيل الداخلي علماً أن لبنان المحسوب على المحور الإيراني في الاقليم هو في الحقيقة رهينة لعبة المحاور ومن ضحاياها الرئيسيين. وبالرغم من التعويل على وصول إدارة بايدن وعلى انعكاسات التهدئة والتفاوض بين واشنطن وطهران، لا يزال الوضع مجمداً ولم تفلح مبادرات داخلية ومساع عربية وتهديدات فرنسية في حصول اختراق يسمح بتأليف حكومة تتيح بدء الخروج من النفق ومنع الانحدار المتواصل.
أزمة تشكيل الحكومة
وأوضحت الدراسة انه ما زالت ازمة تشكيل الحكومة تلقى بظلالها على المشهد السياسي اللبناني بعد اللقاء العاصف بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، كما أن مبادرات الوسطاء والحركة الدبلوماسية لم تساهم حتى الان في حلّ العقدة الحكومية، وأقلّه تهدئة الأجواء بين المعنيَّين بتشكيل الحكومة في ظلّ تأكيد كل طرف على عدم الرضوخ للآخر. وترى أوساط في تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري أن الرئيس عون يأخذ لبنان حرفياً إلى جهنّم، لأجل الصهر"، أي رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، مضيفة أن "استمراره بالممارسات نفسها لن يبقي بلداً حتى يحكمه، فهنيئاً له مراكز بلا وطن". فيما تقول أوساط في "التيار الوطني الحر" لقد "أصبحنا أمام تكرار للمواقف، والمعرقل معروف وهو الحريري، الذي يريد لنفسه كلّ شيء مهمشاً دور الرئيس عون، ويستغل الظروف الراهنة والأوضاع المتردية اقتصادياً ومعيشياً كوسيلة ضغط لفرض شروطه، أو تدمير البلد".
واختتمت الدراسة أنه يبدو الاستعصاء سيد الموقف في لبنان مع تفاقم الازمة المركبة التي يعاني منها واستمرار الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وكذلك فشل كل المبادرات المحلية والخارجية من أجل تأليف الحكومة العتيدة، ومن شأن هذا الاستعصاء والقوى التي تقف خلفه في إطار اسقاط صراعات الإقليم على لبنان يبقي التوصل الى حلول وفق المبادرة الفرنسية او غيرها بعيداً. وهذا ربما يتطلب رعاية دولية - عربية تفرض حلًا انقاذيا وتحرر لبنان من الارتهان للعبة المحاور واعتبار مبادرة البطريرك الراعي اسهاما اساسيا في بلورة دعم دولي لنأي لبنان بنفسه عن صراعات الاخرين والاسراع بايجاد حلول عاجلة لوقف الانهيار الاقتصادي وتشكيل حكومة مهمة للإصلاحات الطارئة وإذا تعذر ذلك لا بد من تدخل دولي ملزم لايجاد صيغة انتقالية تحمي لبنان من الانزلاق للهاوية، ويبقى انقاذ لبنان أمراً ممكناً في حال بدء الاصلاح ووجود ادارة كفؤة وقضاء مستقل، خاصة وأن عدة شركات من القطاع الخاص الألماني قد اقترحت خطة بملايين الدولارات قصد إعادة بناء مرفأ بيروت والمنطقة المحيطة به، لكنها خطة تضع شروطا على الجانب اللبناني يتوجب عليه تطبيقها قبل أي شيء. والجديد ان هكذا خطة تمثل حافزا من اجل الدفع بتشكيل حكومة قادرة على ايقاف الانهيار، وذلك في موازاة التلويح بعقوبات اوروبية.