جائز بشرط..الإفتاء تكشف عن حكم الدخول بالزوجة قبل الزفاف
«ما حكم الشرع فيمن يطلب معاشرة زوجته، أو يفعلان ذلك سرا بعد أن جرى عقد النكاح أمام الأهل والأصدقاء رسميًّا، ولكن لم يتم عمل الفرح أو الزفاف؛ والذي يسمى في عرف الناس الآن الدُّخْلَة؟»، سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية ويحتار البعض في إجابته إذا ما كان ذلك صحيحا أم كان أمرًا مخالفًا للشرع والعرف.
وفي الفتوى التي حملت رقم4327، جاءت الإجابة أن الإسلام أقر الزواج وحث عليه باعتباره سنة من سنن المرسلين، وحاجة تتطلبها طبيعة الإنسان، وضرورة لبقاء نوعه في هذه الدنيا، وفيه من لطائف آيات الله تعالى ما يدعو إلى التفكر، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ [الرعد: 38]، وقال جل شأنه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
والزواج عقد تتوقف صحته على شروط وأركان، متى توفرت كان الزواجُ صحيحًا شرعًا وترتبت عليه آثارُه، ومن أبرز آثار عقد الزواج: إباحة الدخول إذا اتفق العاقدان على أن يتم الدخول مباشرة بعد العقد، ومن ثم يحل الزوجان لبعضهما، أما في حالة عدم الاتفاق بينهما على موعد محدد للدخول بعد العقد فينبغي ألا يتم إلا بإذن الولي أو إعلامِه، أو الإشهادِ على ذلك، لأن الدخول يترتب عليه أحكام أخرى قد ينكرها أحد المتعاقدَين، ومنها النَّسب الذي يثبت بالفِراش؛ فالفراش لا يتم إلا بالدخول، وكذلك استحقاق الزوجة كامل المهر؛ فإنها لا تستحق كاملَه إلا بالدخول، وكذلك أحكام الثيوبة والبِكارة، وغير ذلك مما يفرَّق فيه بين ما قبل الدخول وبعده.
والعرف جارٍ على أن المعاشرة الزوجية لا تكون إلا بعد الزفاف؛ فوجب احترامُه ومراعاتُه؛ لقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].
فإذا حدث الدخول سرا بين العاقد والمعقود عليها، ثم انكشف ذلك للناس قبل الزفاف؛ فالعرف يعتبر ذلك أمرًا مشينًا لزوجين معًا، وقلةَ احترام للأهل تقتضي الاعتذارَ والأسفَ، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم ارتكاب ما يعتذر منه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ وَاجْعَلْهُ مُوجَزًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «صَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَأْيَسْ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ تَكُنْ غَنِيًّا، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ».
وما دام العرف لا يخالف الشَّرع الشَّريفَ وارتضاه النَّاس واطمأنت إليه نفوسهم؛ فيجب مراعاته، ويصير هذا المعروف بينهم كالمشروط المنصوص عليه؛ فالقاعدة الفقهية تَنُصُّ على أنَّ الثابت بالعرفِ كالثابتِ بالنص، وعلى ذلك: فاعتبار الشَّيْنِ في دخول العاقد والمعقود عليها سِرًّا شرطٌ يقتضيه العقد وإن لم يُنصَّ عليه أثناء العقد أو فيه، ومن المُقرَّر شرعًا أَنَّ أَوْلَى الشروط بالوفاء ما استُحِلَّت به الفروج؛ لحديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ» أخرجه البخاري.
لذلك يسن للزوج المطالبة بالمعاشرة الزوجية كحق من حقوقه بمجرد عقد الزواج، وذلك حتى يتم الزفَاف وتقيم الزوجة بمسكن الزوجية، أما الدخول بها سرًا دون استئذان وليها ودون احترامٍ للأعراف الاجتماعية والتقاليد المتبعة في ذلك فلا يجوز شرعًا؛ حفاظًا على حقوق كلا الزوجين في تقدير حصول الطلاق أو الوفاة مع إنكار الدخول.