وليد سلام يكتب: سيادة "المحكم العرفي"..هل جئت قاضيا عرفيا تحكم بالعدل ليعُم السلام الاجتماعي..أم مدافعا عن المخطئ مقابل المال؟
في يوم ما حدثت مشاجرة بين سيدات وبعضهن البعض بالأيدي في إحدى القرى دون أن تصاب احداهن بأي أذى وعندما حضر رجالهن قاموا بتهدئة الوضع بعد ساعة من الشتائم والسباب وقد حضر أهل الخير لتهدئة الوضع بينهم إلا أن الطرفين أصروا على القضاء العرفي... وبالفعل جلس الطرفان في جلسة عرفية بحضور محكمين لكل طرف إلا أن طرفا منهم كان هو المخطئ ودائم التعدي على الآخر خلال سنوات مضت فقد استعد للجلسة وأحضر ٢ من المحكمين العرفيين " غير محايدين " بعد أن دفع لهما مقابل أن يترافعوا عنه في الجلسة، وقد نسيا المحكمان العرفيان أنهما قد حضر لإحقاق الحق وعدم الوقوف مع طرف ضد آخر وأن يكونا على مسافة واحدة من الطرفين حتى يأخذ كل ذي حق حقه وينتهي بالتصالح بين العائلتين ولا يكرر المخطئ خطأه ويعم السلام في المجتمع..
وقد بدأت الجلسة بالفعل وبعد أن دخل المحكمين غرفة المداولة بدأ محكما الطرف المخطئ المدفوع لهما أجرا بالدفاع عن المخطئ فقدر أحدهم خطأ سب سيدة لأخرى بمبلغ ١٠٠ ألف جنيها فتعجب المحكمان الاخران كيف يكون حكم سب سيدة لأخرى بهذا المبلغ؟ وعلى أي أساس تم تقديره ؟ وأي قاعدة عرفية أو شرعية تم الاستناد عليها ؟..
هنا صمت محكما الطرف المخطئ ولم يجيبا، وأصروا على أن يحسب هذا الخطأ بهذا المبلغ وهددا بأنه لو لم ينفذ الحكم سيغادرون الجلسة منسحبين لتلغي الجلسة وهذا يعد نوعا من المماطلة، فرد عليهما المحكمان الأخران أنهم وافقوا ولكن بشرط أن يحسب تعدي الطرف صاحب الحق بمبلغ ٤٠٠ ألف جنيه... واستمر الجدل حتى تدخل راعي البيت ووسط الأمر إلى أن يدفع الطرف المخطئ مبلغ وقدره ٣٠ ألف للطرف الأخر.... وانتهت الجلسة بهذا الحكم حتى تحل المشكلة بأي طريقة وتنتهي الجلسة....
هذا النوع من المحكمين أصبح موجودا في القرى والنجوع للأسف وهو المحكم العرفي المرتشي أو محكم بمقابل مادي لا يحكم أو يتحرك إلا عندما يقبض المال،ولكنهم أقلية ومعروفين بالاسم ومنهم أقوياء في القضاء العرفي لكنهم يستخدمون القواعد العرفية في قلب الباطل حق وقلب الحق باطل، يستخدمون هذه الحيل والطرق الملتوية لنصرة من قبضوا منه المال سواء كان على حق أو على باطل الأهم أن يأتوا له بالحق وينتصر في الجلسة العرفية، هذه الفئة من المحكمين ليسوا في مركز بعينه أو محافظة بعينها هؤلاء قابلتهم بحكم عملي كرئيس تحرير برنامج حق عرب المتخصص في المصالحات العرفية في عشرات الجلسات العرفية وهم يماطلون ويترافعون لتغيير الحقيقة وتزييفها لنصرة من قبضوا منه المال.
هناك نوع أخر من المحكمين العرفيين لا يعرفون شيئا عن العرف ولا قواعده ولا أصوله ولا يعرفون كيف يتم تقدير الإصابة أو الجرح أو الخطأ فقط أصبحوا محكمين عرفيين في يوم وليلة، إما أنهم يملكون المال حديثا أي في يوم وليلة أصبح غنيا وبدأ في الذهاب للمأتم والأفراح والمجالس العرفية فعند حضوره او استضافته عدد من الجلسات أصبح محكما عرفيا بماله وليس بعلمه رغم أنه لا يعرف شيئا عنه، ولذا فرض نفسه على المجتمع، وهذا أيضا يورط لأنه لا يفهم معنى العرف ولا قواعده ولا أصوله فهو ضعيف وبالتالي يعطي الفرصة لأن يأكله القوي الذي قبض أموالا من طرف ما في الجلسة، أو قد يحكم حكما يدمر من أتى به ويتسبب هذا في تضخيم المشكلة وليس حلها.
هذه النوعية من المحكمين العرفيين، وجودهم أصبح يمثل مشكلة كبيرة في مجتمعاتنا العربية والريفية ومجتمعات الوجه القبلي والبحري، لأنهم يتسببون في تعظيم المشكلة بين العائلات التي حدثت بينهم مشاجرة أو جريمة ثأر وهنا بحكمهم الخاطئ أو المضلل قد يتسببوا في تكرار جريمة الثأر لأن حكمهم الخاطئ بجهلهم أو تعمد الخطأ لمن قبض أموالا قد يضطر صاحب الحق المظلوم في الجلسة أن يأخذ حقه بيده ويرتكب جريمة وهنا لابد على المجتمع أن يلفظ هؤلاء المحكمين العرفيين المرتشين أولا حتى يأخذ كل ذي حق حقه.
ولا ينسى المجتمع أن القضاء العرفي مهمته الحقيقية هو مساعدة المجتمع في القضاء على جريمة الثأر والحد من وتقليص المشكلات وحلها سريعا قبل أن تتفاقم وتتطور، ولا يمكن أن نغفل الدور الكبير والبارز الذي يقوم به رجال الداخلية الذين يبذلون جهودا كبيرة جدا لمنع المشاكل والقضاء على ظاهرة الثأر، فنوجه لهم التحية وندعوا الله أن يحفظهم فهم العين الساهرة على حفظ الأن والأمان والاستقرار في البلاد.
أخيرا من المعروف أن المحكم العرفي إذا طلب لجلسة ما وذهب إليه أحد طرفي المشاجرة فمن المفترض أنه يمنعهم من أن يحكوا له المشكلة من الأساس حتى لا يسمع منهم فيتعاطف معهم ويميل إليهم في حكمه، فهذه أول صفة في المحكم العرفي، إضافة ألى أنه لابد أن يتصف بالصدق والحكمة والصبر وعدم الغضب أو الانفعال في مواقفه وحياته ووسط أهله وبلده وأنه لا يلجأ للعنف في حياته بل يتصف بالحكمة البالغة، وليس شرطا أن يكون غنيا أو فقيرا فالأهم أن يكون شريفا صادقا حكيما صبورا قويا في الحق وليس ضعيفا ملما بالقواعد العرفية والشرعية حتى لا يحيد في حكمه.