بطل الظل.. كيف توفى الجاسوس المصري رأفت الهجان وما علاقته بلوسي ابن طنط فكيهة؟
رأفت الهجان هو الاسم الحركي للمواطن المصري رفعت علي سليمان الجمال، الذي استطاع خداع الكيان المحتل سنوات طويلة، ونفذ خطة المخابرات المصرية في التلاعب بجهاز الموساد طوال ما يقرب من 20 عاما، هي المدة التي قضاها الجمال أو جاك بيتون كما كان يطلق عليه وسط الكيان المحتل.
وحلت الاحد ذكرى وفاة الجمال، الذي رحل عن عالمنا في 30 يناير عام 1982.
مولد أشهر جاسوس مصري
ولد رفعت على سليمان الجمال في مدينة "دمياط" في 1 يوليو 1927، حيث كان والده يعمل في تجارة الفحم، أما والدته فكانت ربة منزل من أسرة مرموقة، وكانت تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكان له شقيقان هما لبيب ونزيهه، إضافة إلى أخ غير شقيق هو سامي.
بعد ذلك بسنوات تحديدا في عام 1936 توفي والده، وأصبح "سامي" الأخ غير الشقيق له هو المسؤول الوحيد عن المنزل، وكانت مكانة "سامي" الرفيعة، وعمله كمدرس لغة إنجليزية لأخو الملكة "فريدة" تؤهله ليكون هو المسؤول عن المنزل وعن إخوته بعد وفاة والده، وبعد ذلك انتقلت الأسرة بالكامل إلى القاهرة، ليبدأ فصل جديد من حياة هذا الرجل الذي عاش في الظل ومات في الظل.
شخصية مستهترة
شخصية "رفعت" لم تكن شخصية مسؤولة، كان طالبا مستهترا لا يهتم كثيرا بدراسته، عكس شقيقه سامي، حيث كان يهوى اللهو والمسرح والسينما، واستطاع ان يقنع الممثل الكبير بشارة واكيم بموهبته ومثل معه بالفعل في ثلاثة أفلام، لذا رأى إخوته ضرورة دخوله لمدرسه التجارة المتوسطة رغم اعتراض "رفعت" على إلحاقه بمثل هذه النوعية من المدارس.
في المدرسة بدأت عيناه تتفتحان على البريطانيين وانبهر بطرق كفاحهم المستميت ضد الزحف النازي، تعلّم الإنجليزية بجدارة، وكان يتكلم الإنجليزية باللكنة البريطانية، وكذلك تعلم الفرنسية بلكنة أهل باريس.
مهووس بالسفر
تخرج في عام 1946، وتقدم بطلب لشركة بترول أجنبية تعمل بالبحر الأحمر للعمل كمحاسب، واختارته الشركة برغم العدد الكبير للمتقدمين ربما نظرا لإتقانه الإنجليزية والفرنسية، ثم طُرد من تلك الوظيفة بتهمة اختلاس أموال، ليتنقل من عمل لآخر، منها مساعد لضابط الحسابات على سفينة الشحن "حورس".
طافت السفينة طويلا بين الموانئ "نابولي وجنوة ومارسيليا وبرشلونة وجبل طارق وطنجة"، وفي النهاية رست السفينة في ميناء ليفربول الإنجليزي، لعمل بعض الإصلاحات، وكان مقررا أن تتجه بعد ذلك إلى بومباي الهندية.
بداية التزوير
هناك في ليفربول وجد عرضا مغريا للعمل في شركة سياحية تدعى سلتيك تورز، وبعد فترة غادر إلى الولايات المتحدة دون تأشيرة دخول أو بطاقه خضراء، وبدأت إدارة الهجرة تطارده مما اضطره لمغادرة أمريكا إلى كندا، ومنها إلى ألمانيا، وهناك اتهمه القنصل المصري ببيع جواز سفره ورفض اعطائه وثيقة سفر بدلا عن جواز سفره، وألقت الشرطة الألمانيه القبض عليه وحبسته، ورحلته قسرًا لمصر.
مع عودة "رفعت" إلى "مصر"، بدون وظيفة، أو جواز سفر، وقد سبقه تقرير عما حدث له في "فرانكفورت"، وشكوك حول ما فعله بجواز سفره، بدت الصورة أمامه قاتمة وشعر باليأس والإحباط، حتى ظهرت فرصة جديدة، للعمل في شركة قناة السويس، تتناسب مع إتقانه للغات. ولكن الفرصة الجديدة كانت تحتاج إلى وثائق، وأوراق، وهوية، هنا، بدأ "رفعت" يقتحم العالم السفلي، وتعرَّف على مزوِّر بارع، منحه جواز سفر باسم "علي مصطفى"، يحوي صورته، بدلا من صورة صاحبه الأصلي، وعمل "رفعت" في شركة قناة "السويس"، وبدا له وكأن حالة الاستقرار قد بدأت.
ثورة يوليو وبداية الجمال
قامت ثورة يوليو 1952، وادرك البريطانيون أن المصريين يتعاطفون مع النظام الجديد، فشرعوا في مراجعة أوراقهم، ووثائق هوياتهم، مما استشعر معه "رفعت" الخطر، فقرَّر ترك العمل، في شركة قناة "السويس"، وحصل من ذلك المزوِّر على جواز سفر جديد، لصحفي سويسري، يُدعى "تشارلز دينون"، وهكذا أصبح الحال معه من اسم لاسم ومن شخصية مزورة لشخصية أخرى إلى أن ألقي القبض عليه أثناء سفره إلى ليبيا بعد التطورات السياسية والتغيرات في 1953، واعادوه لمصر، وكان يحمل جواز سفر بريطاني، إلا أن ضابط بريطاني شك أنه يهودي وتم تسليمه إلى المخابرات المصرية التي بدأت في التحقيق معه على أنه شخصيه يهوديه.
بداية تجهيز العميل الجمال
استنادًا إلى المخابرات المصرية، كانت التهمة الرئيسية للجمال عند إعادته إلى مصر قسرا هو الاعتقاد أنه ضابط يهودي، واسمه ديفيد ارنسون، حيث كان يحمل جواز سفر بريطاني باسم دانيال كالدويل، وفي نفس الوقت تم العثور بحوزته على شيكات موقَّعة باسم رفعت الجمال، وكان يتكلم اللغة العربية بطلاقه.
كان الضابط حسن حسني من البوليس السري المصري، هو المسؤول عن استجواب الجمال، واعترف رفعت الجمال بهويته الحقيقية وكشف كل ما مرت عليه من أحداث واندماجه مع الجاليات اليهودية حتى أصبح جزءا منهم واندماجه في المجتمع البريطاني والفرنسي، وقام حسن حسني بدس مخبرين في سجنه ليتعرفوا على مدى اندماجه مع اليهود في معتقله، وتبين أن اليهود لا يشكون ولو للحظه بأنه ليس يهوديا مثلهم.
بعد محاولات عديدة إتسمت بالشد والتراخي من قبل ضابط البوليس السري حسن حسني، عُرض خياران للهجان إما السجن وإما محو الماضي بشخصيته بما فيه رفعت الجمال وبداية مرحله جديده وبهوية جديدة ودين جديد، ودور قمة في الأهمية والخطورة والعمل لصالح المخابرات المصرية الحديثة النشوء.
وبعد أن وافق رفعت الجمال على هذا الدور بدأت عمليات تدريب طويله وشرحوا له أهداف الثورة وعلم الاقتصاد وسر نجاح الشركات متعددة القوميات وأساليب اخفاء الحقائق لمستحقي الضرائب ووسائل تهريب الأموال، إضافة إلى عادات وسلوكيات وتاريخ وديانة اليهود وتعلم كيف يميز بين اليهود الاشكناز واليهود السفارديم وغيرهم من اليهود، وأعقب هذا تدريب على القتال في حالات الاشتباك المتلاحم والكر والفر، والتصوير بآلات تصوير دقيقة جدًا، وتحميض الأفلام وحل شفرات رسائل أجهزة الاستخبارات والكتابة بالحبر السري، ودراسة سريعة عن تشغيل الراديو، وفروع وأنماط أجهزة المخابرات والرتب والشارات العسكرية، كذلك الأسلحة الصغيرة وصناعة القنابل والقنابل الموقوتة، وهكذا انتهى رفعت الجمال وولد جاك بيتون في 23 اغسطس 1919 من أب فرنسي وأم إيطالية وديانته يهودي اشكنازي.
وصار له جواز سفر إسرائيلي صادر من تل أبيب برقم (146742)، وانتقل للعيش في أحد أحياء الإسكندرية يسكنه الطائفة اليهودية، وحصل على وظيفة مرموقة في إحدى شركات التأمين، وانخرط في هذا الوسط وتعايش معهم حتى أصبح واحدا منهم.
السفر إلى أرض الميعاد المزعومة
تسلم الجمال مبلغ 3000 دولار أمريكي من المخابرات المصرية، ليبدأ عمله وحياته في إسرائيل، وفي يونيو 1956 استقل سفينة متجهة إلى نابولي قاصدًا أرض الميعاد.
وتمكن الجمال من إقامة مصالح تجارية واسعة وناجحة في تل أبيب، وأصبح شخصية بارزة في المجتمع الإسرائيلي، ولسنوات طويلة استطاع إمداد جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة تحت ستار شركة سياحية داخل إسرائيل، حيث زود بلاده بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو لسنة 1967، وكان له دور فعال في الإعداد لحرب أكتوبر سنة 1973 بعد أن زود مصر بتفاصيل عن خط برليف، نتيجة علاقات صداقة وطيدة مع رئيسة الوزراء جولدا مائير، ووزير الدفاع موشي ديان، وعيزرا وايزمان، وبن جوريون.
علاقة الجمال ب"لوسي ابن طنط فكيهة"
من الشائعات التي انتشرت في الثمانينات، أن شخصية رأفت الهجان هي الممثل المصري جمال رمسيس، المشهور بدور "لوسي ابن طنط فكيهة" في فيلم إشاعة حب.
عاشت الشائعات تتناقل كثيرا بسبب تسريحة شعر لوسي، التي تشابهت مع تسريحة شعر الفنان محمود عبد العزيز في مسلسل رأفت الهجان، قبل أن يتم الكشف عن الصورة الحقيقية لرأفت الهجان، ويثبت كذب الشائعة.
وتم اعتبار الجمال بطلًا قوميًا في مصر عمل داخل إسرائيل بنجاح باهر لمدة 17 سنة، وتم بث مسلسل تلفزيوني عن حياته باسم الهجان وقام بتمثيل دوره الممثل المصري محمود عبد العزيز.