قصة حق الكد والسعاية..صرخة إمرأة استجاب لها عمر بن الخطاب أكثر مما طلبت
على وقع الجدل المثار حول الإسلام وقضايا المساواة بين الجنسين، وفي إطار الاجتهاد الأزهري في فقه النساء ومحاولات التجديد في الأمور الجدلية التي تمس حقوقهن طالب شيخ الأزهر، الإمام أحمد الطيب، بإعادة إحياء فتوى حق «الكد والسعاية للمرأة»، وهي فتوى تقضي بحق ونصيب معلوم للمرأة في مال زوجها يصل إلى نصف ثروته؛ سواء في حالة الطلاق أو الوفاة، ذلك نظير عملها ومشاركتها له في تكوين تلك الثروة.
أكد شيخ الأزهر الفتوى، التي أوصى بإحياءها الثلاثاء الماضي، تستهدف حفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها، خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت عليها النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة، مؤكدًا إن حق «الكد والسعاية» أو«حق الشقا» مستق من التراث الإسلامي.
وفي التقرير التالي نستعرض جذور الفتوى في التراث الإسلامي، وكيف ومتى تم إقرارها.
نصف ثروة الرجل للمرأة العاملة
في دراسة أعدها، أستاذ الباحث المغربي، بقسم القانون والمجتمع بكلية العلوم القانونية والاجتماعية بجامعة ابن زهر، بالمغرب؛ عرًف الدكتور كمال بلحركة مصطلح حق الكد والسعاية في التراث الإسلامي بأنه حق المرأة في الثروة التي يُنشئها ويُكوِّنها الزوج خلال فترة الزواج، بحيث تحصل على جرايتها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية في تكوين هذه الثروة؛ ذلك وفقًا لدراسة فقهية، للباحث المغربي بمؤتمر علمي ناقش «حقوق المرأة العاملة عند النوازل بين المغاربة»؛ إذ تناول الباحث إحالة مدونة الأسرة المغربية على الفقه المالكي في مسائل ما جرى به العمل».
صرخة امرأة عاملة استجاب لها الخليفة عمر ابن الخطاب
ترجع الجذور التاريخية لفتوى «الكد والسعاية» إلى ثورة إمرأة في عهد الخليفة عمر ابن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين في القرن الـ7 الميلادي الأول هجريًا؛ إذ قدمت حبيبة بنت زريق زوجة عامر بن الحارث، إلى «الفاروق» عمر بن الخطاب، وهي نساجة طرازة ترقم الثياب والعمائم، بينما كان زوجها تاجرًا.
وفي نزاع حول حقها بعدما مات الزوج وترك أراضي ودورا وأموالا فأخذ ورثته مفاتيح المخازن ليقتسمو الورث؛ قامت عليهم حبيبة ونازعتهم لكون هذه الأموال بفضل «كدها وسعايتها» مع زوجها، فذهت رفقة المتنازعين إلى الخليفة ليحكم بينهم بالعدل.
اختصمت حبيبة بنت زريق، ورثة زوجها لدى عمر بن الخطاب، فقضى بينهما بالشركة نصفين فحكم لحبيبة بالنصف من جميع المال جزاء كدها سعايتها ثم بالربع من نصيب الزوج باعتبارها وارثة لأنه لم يترك ولدا، حسب نص الدراس المغربية ذاتها.
حق أيًده المذاهب الفقهية
وفق الدراسة، أجمعت المذاهب الفقهية الإسلامية، على «حق الكد والسعاية»؛ لا سيما المالكية والحنفية منهم؛ إذ عمل فقهاء المالكية على تأصيل حق الكد والسعاية أو حق الشقا، بأن مالك بن أنس وأصحابه اتفقوا على أن كل امرأة ذات صنعة وسعاية مثل نسج وغزل ومحمل وغيرها شريكة في ثروة زوجها.
حق ليس قاصرًا على الزوجات
ويعد حق «الكد والسعاية» أو «حق الشقا» آلية عرفية قوامها العدل والإنصاف والاعتراف بالجميل، تضمن للأفراد المساهمين في تكوين الثروة الأسرية والعائلية أو تنميتها إمكانية المطالبة بحقوقهم المالية المترتبة عن مساهمتهم في تكوين تلك الثروة؛ فلايقتصر «حق الكد والسعاية» على الزوجة؛ بل يشمل الأبناء والأقارب الذين ساهموا في تنمية واستثمار أموال الأسرة تطوعًا دون نصيب أو أجرة معلومة، وبالتالي لهم الحق في الحصول عليه عندما يطالبون به، بمقدار عملهم، وفقًا للباحث كمال بلحركة الستند في دراسته القاوية المستندة إلى المذاهب الفقهية.
حديثًا.. المرأة لا تزال تطالب بهذا الحق
حديثًا لا تزال المرأة المصرية والعربية تسعى لإقرار هذا الحق بالقانون، وبينما تقره كل من تونس والمغرب في تشريعاتها المدنية، لا تزال نساء مصر يواصلن المطالبة بإقراره؛ ففي نوفمبر الماضي، تقدمت النائبة رانيا الجزايرلي، عضو مجلس النواب، بمشروع قانون بشأن تخصيص جزء من ثروة الزوج لزوجته حال طلاقها منه عقب فترة من الزواج.
وأوضحت النائبة أن الجزء الذي سيتم وفقًا للقانون تخصيصه للزوجة المطلقة من زوجها سيتحدد بناء على مجموعة من العوامل؛ ومنها مدة الزواج وعدد الأبناء، مشيرة إلى أن هذا القانون يحمي المرأة عقب الطلاق.
ولفتت النائبة إلى أن فلسفة القانون قائمة على حماية حقوق المرأة عقب طلاقها من زوجها سواء بعلمها أو دون، مشيرة إلى أن هناك العديد من الحالات التي تتعرض إلى مثل هذا الموقف مما يترتب عليه الإساءة إلى المرأة المصرية.
ونوهت الجزايرلي بأن القانون يهدف في المقام الأول إلى الحفاظ على حقوق المرأة الزوجة والتي تجد نفسها بعد سنوات من الكفاح مع زوجها خارج حساباته ودون أي ضمانات، بل وقد تكون عرضة للضياع نتيجة عدم قدرتها على القيام برفع قضايا، بالإضافة إلى تأخير الحسم في مثل هذه القضايا حال وصولها للمحاكم.