وليد سلام يكتب.. تُقاس الصداقة بصدق المواقف وليس بطول السنين.. يُحزنني أن أخسر صديقا؟
قال بعض الحكماء، أن الصداقة قصر مفتاحه الوفاء وغذاؤه الأمل وثماره السعادة، وقالوا "أن الصداقة لا توزن بميزان ولا تقدر بأثمان، فلا بدّ منها لكل إنسان، وأن الصداقة تقاس بصدق المواقف وليس بطول السنين، وأن ثمار الأرض تجنى كل موسم، لكن ثمار الصداقة تجنى كل لحظة، وقال بعضهم أنك أن تملك أموالًا كثيرة فأنت غني، أما أن تملك أصدقاء أوفياء فأنت أغنى الأغنياء ".
تربيت طوال حياتي حين أصادق صديقا أن أخلص له ولا أحاول أن أكذب عليه أو أتعالى عليه أو أتلون معه في الحديث وأن أكون صادقا في كل تعاملاتي معه أو مواقفي تجاهه، أقف بجانبه حين أجده في شدة ولا أنتظره يطلبني حتى أقف بجانبه، فهذه بديهيات الصداقة أو بالمعنى الأدق " ألف باء صداقة"، لكن تربى البعض أنه حين يقف بجوارك في موقف ما فهو يرى أنه منحك "جميلا" وينتظر منك الرد، فالصديق لا ينتظر صديقه أن يرد الجميل لأن فعله نابع من داخله بصدق وليس مجاملة، وعلى صديقه أن يبادره نفس المعنى ولا يتأخر أيضا ويتعامل معه بنفس المعنى الحقيقي للصداقة بدون أن يعتبرها مجاملة.
هناك مثل الشعبي يقوله كثير من الناس حين يتعامل مع شخص ما في المعاملات المالية أو الدنيوية بشكل عام فيقول له " هناكل لقمة عشان يبقى بينا عيش وملح"، بمعنى أن من أكلت معه عيش وملح لابد أن تصون هذا العيش والملح، وهذا مبدأ عند الرجال الأوفياء فمن تأكل معه عيش وملح في منزله لا يمكن أن تخونه، فما بالك بالصديق الذي ربط بينكما العيش والملح والأخوة والمواقف الشديدة فلا يمكن أن تفرقهما مصلحة إذا صدقت النوايا بينكما وإذا كنتما صديقين بحق الكلمة.
قد تصاحب صديقا وتعتبره أخا حتى تمر بموقف ما وهنا لا تجده بجانبك بل قد يبتعد عنك خاصة اذا كان الموقف شديدا، وهنا تظهر حقيقته ومعدنه الأصلي أنه لا يستحق أن يكون صديقا، وهناك صديق يظهر معدنه وحقيقته حين تعامله ماليا فالمال والغضب يفضح طينة البشر فتجده طماعا يطمع بمالك ولا يرده إليك أو قد يطمع بربح تجارة بينكما أو قد يطمع بأكل مالك ومال من أكل معهم العيش والملح، وهنا ظهر معدنه وأثبت أن الذي كان بينكما لم يكن بصداقة بل كانت تمثيلا أو تسلية فكان يسلي نفسه معك حتى أظهرته المواقف.
الأصدقاء الحقيقيون هم من تشعر بأنهم أخوة، ومن تشعر بمحبتهم في قلبك، ومن يكون أول الموجودين في وقت الحزن قبل الفرح، وكلمةُ الصديق لا تُطلق على كل شخص نتعرف عليه، فليست الصداقة بالبقاء مع الصديق وقتا أطول بل الصداقة هي أن تبقى على العهد حتى وإن طالت المسافات أو قصرت، فالصديق وقت الغضب لا يفضح صديقه بل يحافظ على الود الذي كان بينهما، والصديق وقت الخصام لا يفشي سر صديقه ولا يفضحه بل يحافظ على ما كان بينهما ولا ينسى الفضل الذي كان بينه وبين صديقه، يتذكر له الحسنة قبل السيئة، هذا لا يعني أن الصديق لا يخطئ فكل انسان يخطئ إلا النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا أخطأ في حق صديقه يسارع بالاعتذار له لترضيته.
الصديق هو من تخبره عن أخطائك قبل أن تعترف بها لنفسك فيصونها ويحفظها ولا يفشيها لأحد، لكننا في هذه الأيام نادرا ما نجد أصدقاء حقيقيين، فقد أصبحت السمة الغالبة على كثير من الناس هي صداقة المصلحة وحين تنتهي المصلحة تنتهي الصداقة وينتهي السؤال عنك، أو صداقة صاحب المنصب وحين يفقد منصبه ينتهي السؤال عنه، بل قد تجده في مكان عام وتحاول التهرب منه حتى لا تصافحه، وهذه صفات أصحاب السبوبة والمصلحة أصحاب مؤقتين، فهؤلاء يأكلون على كل الموائد لا هدف لهم في الحياة سوى ملء جيوبهم وبطونهم، ليس عندهم مبدأ ولا صدق ولا محبة إلا لأنفسهم.