إفلاس صيدليات 19011.. القصة الكاملة لصعود وهبوط المفلسين الثلاثة | فيديو
قبل ثلاثة أعوام وبشكل مفاجئ انتشرت في شوارع مصر لافتات دعاية إعلانية لسلسلة صيدليات حملت اسم 19011، ولدت من العدم وتحدثت عن إمكانات جبارة تهدف لضبط سوق الدواء المصري المنفلت، رجا المواطن خيرًا بالعثور على روشتة علاجه بدون نواقص، ومنذ اللحظات الأولى سهلت الأقدار لثلاثة أشخاص استغلال ما وفر لهم القدر بهدف التسويق لأنفسهم كمستثمرين كبار.
إفلاس 19011
الصدفة الأولى عندما منحتهم الشركة المصرية للاتصالات الرقم الساخن 19011، ليتصادف من جهة مع تأسيس تاريخ نادي الزمالك عام 1911، ومن جهة ثانية مع تاريخ ميلاد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولم يفوت ملاك الصيدليات الوليدة الفرصة، فضلا عن وجود مؤسس ضمن الشركاء يدعى محمود حمدي عبد الفتاح السيسي (العضو المنتدب)، وهو ما زاد منسوب الشائعات حول ارتباط سلسلة الصيدليات الوليدة بالدولة الرسمية، لدرجة دفعت الإعلامي عمرو أديب إلى استضافة المؤسسين الثلاثة ونذكر وقتها أنه داعب جمهوره بالترويج لفكرة استضافة محمود السيسي، الأمر الذي اعتقده البعض حينها أنه أول ظهور إعلامي لنجل الرئيس.
الحلقة سابقة الذكر كانت وقتها بمنزلة رد وافي على جميع الشائعات التي رافقت تدشين صيدليات 19011، من خلال ظهور نعيم الصباغ رئيس مجلس الإدارة؛ أحمد الأنصاري الرئيس التنفيذي، ومحمود حمدي عبد الفتاح السيسي، العضو المنتدب، والذي كان اسمه بمنزلة منحة من والده وجده قدموها له قديمًا، ولم يكن يعلم أن هذا الاسم سوف يكون سبب سعده في المستقبل لتشابهه مع اسم نجل رأس الدولة المصرية.
حديث الثلاثة في هذه الحلقة لا يستطيع أحد إنكار أنه وقع خديعة لحديثهم الشيق والبراق المتبوع بمفردات من اللغة الإنجليزية والاطلاع على أسماء سلسلة صيدليات عالمية، مع ترتيب واضح للحديث يظهر خطة الثلاثي منذ البداية لخداع الجميع واستغلال كل السبل حتى هدايا الأرقام والأسماء التي ساهمت الظروف في توفيرها لهم سواء الأرقام أو الأسماء، في ذات الحلقة أحبط نعيم الصباغ المصريين وخاصة الشباب بقوله: "الشاب اللي وصل 35 سنة ولسه فقير يبقى يستاهل يبقى فقير".
وخلال كتابة هذه السطور راجعنا الصفحة الشخصية لصاحب المقولة التي اعتاد فيها استخدام علم مصر الرسمي، والحديث عن الوطن وشعبه ومن المفارقات أنه كان يؤهل نفسه للترشح لعضوية مجلس النواب عن دائرة الباجور في المنوفية، واستغل نجمه الذي سطع، في الترويج لنفسه بمناصب وخبرات وهمية مستغلًّا الضجة التي أحدثتها 19011 في سوق الدواء المصرية.
بعد ثلاثة أعوام من التصريحات النارية والخطط المستقبلية، أسدلت المحكمة الاقتصادية اليوم الستار وأعلنت إفلاس شركة ألفا للصيدليات المالكة لسلسلة صيدليات 19011، لتنهي بالقانون مسرحية هزلية أبطالها ظرفاء ثلاثة تمكنوا من خداع جميع طبقات المجتمع وجعلوا من نفسهم مادة إعلامية دسمة يهرول الجميع خلفهم للحصول على مقابلات وتصريحات بهدف تقديمها للشباب كخلطة سرية للنجاح.
ربما ما يجهله المواطن العادي وكنا نعلمه من خلال زملاء مكلفين بتغطية أخبار الملف الطبي، أن هؤلاء الثلاثة تسببوا خلال أشهر قليلة في إلحاق الضرر الأكبر بسوق الدواء المصري، علاوة على صناعة أزمات لملاك صيدليات خدعوهم بالاسم والمال واستحوذوا على صيدلياتهم، حتى الأطباء الصيادلة أنفسهم تجرعوا مرارة الخداع وتوقفت رواتبهم منذ العام الماضي، كما تراكمت إيجارات الصيدليات المؤجرة من أصحابها ووضعت القطاع الصيدلي فى دوامة ربما يستغرق الخروج منها سنوات عجاف.
تاريخ تأسيس 19011
سلسلة صيدليات 19011 التي أسسها سبعة صيادلة في 2017، بدأت عملها بعشر صيدليات فقط، تضاعف عددها في أشهر قليلة، وانتشرت إعلاناتهم في كل مكان، قبل أن ينهاروا في وقت قصير، بعد أشهر قليلة من صفقة استحواذ على سلسلة صيدليات رشدي عام 2020، حين ظهر نقص حاد في توفير الأدوية بالصيدليات، فضلًا عن تأخر صرف مستحقات العاملين، وتدريجيًّا تكشف امتناع شركات الدواء عن توريد بضائع لهم، ولاحقهم الدائنون بعد تراكم ديون بمليارات الجنيهات لشركات الأدوية ومخازنها، وحتى للبنوك، ووصلت الأزمة ذروتها بعدما حجزت شركة ابن سيناء للأدوية على مقرهم الإداري.
وظهر الانهيار إلى العلن بعد إخفائه لأشهر بعدما تظاهر عدد من الموظفين احتجاجًا على تأخر صرف مرتباتهم، وفصلهم تعسفيًّا.
بعض هؤلاء الموظفين السابقين، نجحوا بعد أكثر من عام في انتزاع حقوقهم بعد فصلهم تعسفيًّا، دون حصولهم على مستحقاتهم المادية، وتمكنوا من الحصول على حكم نهائي عام 2021، بالحجز على منقولات بمقر إدارة 19011، لحين سداد مستحقاتهم، بعد أكثر من عام.
وفى فبراير 2021 انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أنباء تفيد بهروب ملاك سلاسل صيدليات 19011، إلى العاصمة البريطانية لندن، وذلك بعد تزايد الديون على السلسلة، ونفى أحدهم من خلال الإعلام صحة هذه الأنباء وقتها وأن الأمور مستقرة وتمت تسوية جميع الخلافات المالية.
يعتمد سوق الدواء في مصر بالأساس على صيدليات صغيرة يمتلكها أفراد. بحسب قانون مزاولة مهنة الصيدلة، لا يُسمح للصيدلي بتملك أكثر من صيدليتين. الهدف هو الحفاظ على سوق الدواء من الاحتكار.
لكن نمطًا جديدًا من العمل بدأ في الانتشار، خصوصًا خلال العقدين الأخيرين. انتشرت سلاسل من الصيدليات في مصر كلها أشهرها "العزبي" و"رشدي" وغيرها. ولأن هذا يخالف القانون، اعتمدت هذه السلاسل على أسلوب جديد.
تحولت الصيدليات إلى شركات إدارة صيدليات، تتعاقد مع صيادلة مختلفين لتسجيل هذه الصيدليات باسمهم في الأوراق الرسمية مقابل مبلغ شهري ثابت. لكن كل صيدلية تحمل العلامة التجارية لهذه السلسلة الأكبر. يعني هذا أن الأغلبية العظمى من هذه الصيدليات التي تحمل علامة العزبي -مثلًا- ليست مملوكة قانونًا لها، وإنما يمتلكها صيادلة أفراد.
تسببت هذه المقاربة في خلافات كبيرة. اعترضت نقابة الصيادلة مرارًا على هذه الممارسة باعتبارها التفافًا على القانون. وفي المقابل، جادلت الشركات أنها لا تخالف القانون، لأنها لا تمتلك هذه الصيدليات، وإنما تديرها فقط مقابل نسبة من الأرباح. ولم تتمكن أحكام قضائية مختلفة من إنهاء هذا النزاع.
ويبقى السؤال المثير للقلق هو مصير سوق الدواء ومدى تأثر المواطن بتداعيات حكم الإفلاس، فمن المؤكد أن الفترة المقبلة سوف تشهد ارتباكًا غير مسبوق سوف يخلفها انهيار هذه السلسلة والتي من المتوقع حسب رأي خبراء عجز الأصول المملوكة لها عن تسديد ما عليها من مديونية خصوصًا أنها ملاكها حسب مصادر اعتمدوا سياسة حرق الدواء، بمعنى شراء كميات هائلة من الأدوية بنظام الأجل بدون احتياج وبيع المتبقي منها لمخازن صغرى بنظام حرق الأسعار بهدف الاستيلاء على السيولة النقدية لصالحهم.