بطولة عبر النافذة.. محمد أنقذ 5 أطفال ومسن فكسرت ساقه بحريق كنيسة إمبابة
بطولات وتضحيات تتكشف أسرارها واحدة تلو أخرى مسطرة ملحمة وطنية على أرض المحروسة دارت أحداثها تلك المرة داخل أروقة كنيسة أبي سيفين بمنطقة إمبابة شمال الجيزة، الأحد.
صباح الأحد، كان الشاب محمد يحيى بمنزله القريب من الكنيسة. رائحة الدخان التي أطبقت على الأجواء لفتت انتباه الكثيرين ومن بينهم "يحيى".
لم يتردد "الجدع" -كما لقبه جيرانه- في اكتشاف ماهية الأمر. هرول إلى الكنيسة بشارع عباس طه ليكتشف الطامة الكبرى. نيران تتصاعد دون هوادة وأدخنة تقل معها الرؤية الأفقية وفي الخلفية صراخ وعويل محتجزين داخل الكنيسة "إلقحونا بنموت".
ثوان معدودة احتاجها "محمد" لاتخاذ قراره. أخذ يبحث عن أقرب نافذة وتسلل إلى الداخل قفزًا ليبدأ مهمة بطولة بإجلاء المصابين. حمل الشاب متوسط القامة قوي البنيان طفلا "مطمئنًا إياه "ماتخفش هتروح لبابا وماما مستنينك بره".
كرر الشاب الأمر 4 مرات أخرى قبل أن تأتي المهمة الأكثر صعوبة. تحدٍ جديد لم يدخر فيه "محمد" الجهد لإنقاذ رجل مسن في الستينات من العمر ووزنه يفوقه.
فكر الشاب في طريقة لإجلاء المسن قبل أن يموت اختناقا بالدخان. حمله على ظهره وصعد به السلم الذي يؤدي للخارج لكن درجات المصعد لم تتحمل الشاب والمسن فسقط بهما.
أصيب محمد يحيى بكسر في ساقه اليسرى، نُقل على أثرها إلى مستشفى إمبابة العام لتلقي العلاج اللازم، وحالته مستقرة بعد إيداعه غرفة العناية المتوسطة.
الثامنة والنصف صباح الأحد، هدوء يطبق على مقر الإدارة العامة للحماية المدنية بالجيزة، صباح يومد جديد يأمل فيه الجميع السلامة لكن سارينة إنذار معلوم سببها بدتت أحلامهم.
بلاغ ورد إلى غرفة عمليات الحماية المدنية من شرطة النجدة بتصاعد أدخنة كثيفة وارتفاع ألسنة اللهب من أحد المباني الملحقة بكنيسة أبي سيفين بالمنيرة الغربية.
هرعت 3 سيارات إطفاء في طليعة الركب وصولا إلى محل البلاغ لتتوالى التعزيزات بسبب المساحة والصعوبات التي واجهت الأطقم الأولى.
انتقل اللواء جابر بهاء مدير الإدارة العامة للحماية المدنية بالجيزة، إلى موقع الحريق ليقود نحو 10 سيارات إطفاء -بعضها خزانات مياه استراتيجية- وسط انتشار فرق الإنقاذ البري.
التوجيهات جاءت سريعة ومحددة المهام، جرى تقسيم الأطقم إلى مجموعات عمل مصغرة تعتني كل منها بمحاصرة بؤر النيران من جهة فيما تتولى فرق الإنقاذ عملية الإجلاء للمصابين والجثامين بواسطة أجهزة التنفس.
60 دقيقة من الأشغال الشاقة احتاجتها قوات الحماية المدنية للسيطرة على الحريق غير عابئة بالأخطار التي واجهتهم من ضيق للمساحة وسوء التهوية فضلا عن حالة الهرج والمرج التي أحاطت المكان من أسر الضحايا.
جهود المكافحة كُللت بالسيطرة على الحريق لتبدأ عملية التبريد لضمان عدم تجدد النيران ليتنفس عناصر الإطفاء الصعداء ومن بينهم ضابطا برتبة ملازم أول -اجتاحت صورته مواقع التوال الاجتماعي- تبدو عليه علامات التعب كما لو كُتب له ورفقائه عمرا جديدا لصعوبة الأخطار التي تصدوا لها ذلك الصباح.
وزارة الصحة أعلنت عن وفاة 41 حالة وإصابة 12 آخرين، فيما أصيب ضابطان و3 أفراد من رجال الحماية المدنية نقلوا إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة.
بمرور الوقت، هدأت النيران وشرع رجال الأدلة الجنائية في معاينة المكان يرافقهم رجال النيابة العامة تحت إشراف النائب العام المستشار حماده الصاوي وبحضور قيادت البحث الجنائي بالجيزة برئاسة اللواء عبد العزيز سليم.
على بعد أمتار من الباب الخاص بالمبنى خدمي تابع للكنسية، وقف العشرات من أسر الضحايا بصرخات وكلمات تنخلع لها القلوب مطالبين وزيرة التضامن الاجتماعي لدى مرورها "عايزين حقنا".
أسفر فحص أجهزة الأدلة الجنائية أن الحريق نشب بتكييف بالدور الثانى بمبنى الكنيسة، والذى يضم عدد من قاعات الدروس نتيجة خلل كهربائى وأدى ذلك لإنبعاث كمية كثيفة من الدخان كانت السبب الرئيسى فى حالات الإصابات والوفيات، ويجرى حاليًا أعمال التبريد داخل مبنى الكنيسة.