الصبي الذهبي.. القصة الكاملة لكشف أسرار حديث الساعة بعد 2300 عام من تحنيطه

تظل الحضارة المصرية القديمة تبهر العالم أجمع على مدار آلاف الأعوام، كاشفة عن أسرار تُذهل بها الأبصار وتتوقف عندها العقول البشرية منتبهة لمتابعة تفاصيلها المدهشة، خاصة إذا كانت بأيادٍ مصرية خالصة، مثلما تسبب به حديث الساحة الأثرية حاليا “مومياء الصبي الذهبي Mummy of the golden boy ” التي اكتشفت منذ أكثر من  100 عام في مقبرة بمدينة إدفو بمحافظة أسوان.
 

مومياء الصبي الذهبي

“2300 عام” هي عمر “الصبي الذهبي” الذي جعله البعض منافسا لمقبرة الملك “توت عنخ آمون” نظرا للأسرار المذهلة حوله، والتي نكشف “القصة الكاملة” لها في التقرير التالي.

في عام 1916م داخل مقبرة من العصر البطلمي (حوالي 300 ق. م) بمدينة إدفو بمحافظة أسوان، عثر على مومياء “الصبي الذهبي” ملفوفة بالكامل بالكتان، ومن ثم اتخذت الإجراءات لنقلها وحفظها آنذاك في بدروم المتحف المصري بالتحرير دون فحص لأكثر من قرن من الزمان.

أما في عام 2015، فقد كان الفحص الأول لمومياء “الصبي الذهبي” باستخدام الأشعة المقطعية، بشكل آمن من خلال الجهاز الموجود بالمتحف واستخدام الأشعة المتقدمة وبرامج الكمبيوتر الحديثة وكذلك الطباعة ثلاثية الأبعاد على يد كل من دكتور سحر سليم، أستاذ الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة، بالتعاون مع صباح عبد الرازق، مدير عام المتحف المصري بالتحرير، ومحمود الحلوجي، المدير الأسبق للمتحف.
 

وخلال الساعات القليلة الماضية من بدايات عام 2023، نشرت الدكتورة سحر سليم، أستاذ الأشعة بكلية الطب جامعة القاهرة، نتائج دراستها الجديدة عن مومياء "الصبي الذهبي" الذي كان يتمتع بـ “مكانة اجتماعية عالية” ويبلغ من العمر 14- 15 عاما، حيث استخدمت المتخصصة المصرية تقنية “التصوير المقطعي المحوسب (CT)” من أجل "فك اللفافة الرقمية" لمومياء "الفتى الذهبي" الذي عثر معه على 49 تميمة مختلفة من 21 نوعا مصممة لضمان نجاحه في طريقه وفي الآخرة،  من أبرزها: “عين المعبود حورس والجعران وتميمة الأفق والمشيمة وعقدة إيزيس والريشتان”.

كشفت الدراسة أن 30 من تمائم “مومياء الصبي الذهبي” المغطاة بقناع ذهبي وصدرية مصنوعة من الكارتوناج وصندلا من النسيج صنعت من الذهب، أما باقي التمائم فقد صنعت من الأحجار شبه الكريمة أو من الطين المحروق أو القيشاني (مادة خزفية ذات جسم سيليسي)، وطلاء زجاجي بألوان زاهية.

ويمثل شكل التمائم لسانا من الذهب وضع بداخل فم المتوفى ليتمكن من التكلم في العالم الآخر، وتميمة على شكل إصبعين أسفل الجذع لحماية فتحة التحنيط، وتميمة أخرى كبيرة من الذهب لجعران القلب موجودة بداخل تجويف صدر المومياء، والذي تم عمل مستنسخ منه باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد.
 

الصبي الذهبي بمصر

وفي الوقت نفسه، ضمنت المومياء “عقدة إيزيس” بهدف تجنيد قوة “الإلهة إيزيس” لحماية الجسد، بينما يرمز الصقر المزدوج وأعمدة النعام إلى ازدواجية الحياة المادية والروحية.

كما كشفت الدراسة أنه داخل التجويف الصدري للمراهق - الجزء من الجذع الذي يحتوي على القلب والرئتين والمريء وما إلى ذلك - وضع المحنطون خنفساء جعران ذهبية، علما بأن "جعران القلب مذكور في الفصل 30 من كتاب الموتى”، كما أنه وفقا لطقوس المصريين القدماء "كتاب الموتى" كان على المتوفى ارتداء صندل أبيض ليكون نظيفا قبل تلاوة آياته، وربما يهدف الصندل الذي كان يرتديه إلى تمكين الصبي من الخروج من النعش.

وكشفت دراسة مومياء "الصبي الذهبي"، والذي كان يبلغ طوله 4 أقدام و2 بوصة، أن أسنانه كانت في حالة جيدة، فلا يوجد دليل على تسوس الأسنان أو فقدان الأسنان أو أمراض اللثة، علما بأنه لم تكشف عمليات المسح عن أي سبب واضح لوفاة “الصبي الذهبي” الذي وضع داخل تابوتين - أحدهما خارجي مزين بنقش يوناني وتابوت خشبي داخلي، حيث تم تزيين السطح الخارجي للمومياء بالسراخس، حيث "انبهر المصريون القدماء بالنباتات والزهور واعتقدوا أن لديها تأثيرات رمزية مقدسة، فقد كانت باقات من النباتات والزهور توضع بجانب المتوفى وقت الدفن وفي الأعياد، مثلما أظهرت مومياوات ملوك الدولة الحديثة أحمس وأمنحتب الأول ورمسيس الكبير.
 

ويعد الهدف الرئيسي من دراسة “مومياء الصبي الذهبي”؛ إلقاء الضوء على الحياة الاجتماعية في مصر القديمة، حيث أعطت الدراسة فهما عميقا لمعتقدات المصريين القدماء وطقوسهم الجنائزية، وبراعتهم التقنية في التحنيط وكذلك الحرفية في صياغة التمائم، وعمل الأقنعة والزخارف، وذلك دون المساس باللفائف كما تركها المصريين القدماء والتي كشفت عن  تقدير قدماء المصريين للأطفال، حيث تمتعت “مومياء الصبي الذهبي” بطقوس جنائزية مميزة تمكنها من البعث والحياة الأخرى، بالإضافة إلى إظهار المكانة الاجتماعية الرفيعة لصاحب المومياء فهو صبي حظي بطقوس جنائزية عالية المقام، إلى جانب حالته الصحية الجيدة، حيث كان يتمتع بأسنان وعظام سليمة وبلا علامات تدل على أمراض أو أعراض سوء تغذية.

وساعد استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في التصوير الطبي بالأشعة ثلاثية الأبعاد في تقديم رؤية قيمة للمومياء، ما دعم قرار إدارة المتحف المصري بالقاهرة لنقل المومياء من بدروم المتحف لعرضها داخل قاعات العرض به، حيث لقبت بـ "مومياء الصبي الذهبي" بجانب عرض لـ “صور الأشعة المقطعية” بجانب المومياء في عرض متحفي مميز يمنح زوار المتحف تجربة فريدة تدعم تواصلهم مع الحضارة المصرية القديمة.