قررت أخفيها من على الأرض..كيف قادت أقوال محمد عادل قاتل نيرة أشرف للمشنقة؟
"قلت أنا لازم أخلص عليها ومخليهاش على وش الدنيا، ونزلت يوم 20 - 6 -2022 ومعايا السكينة وركبت الأتوبيس، ونزلت وراها وخلصت عليها"، هكذا رَوى المتهم محمد عادل أمام محكمة جنايات المنصورة، مُعترفًا تفصيليًا بجريمته، وهو ما اطمأنت إليه المحكمة تمام الاطمئنان، بعدم تَعرضُه لأي إكراه من أي نوع، وقد تَطابَق اعترافه هذا مع الحقيقة والواقع، والفيديو الموثق للجريمة، فلم تحتاج المحكمة إلى أكثر من يومين لإصدار حكمها بإعدام المتهم، وأيدت الحكم محكمة النقض. وفي الساعة السادسة صباح الأربعاء نفذت مأمورية حكم الإعدام بسجن جمصة في حضور ممثل النيابة العامة ورجل دين.
واستندت النيابة العامة في أدلتها إلى إقرار المتهم التفصيلي بارتكابه الجريمة خلال استجوابه في التحقيقات، والمحاكاة التصويرية التي أجراها في مسرح الجريمة وبين فيها كيفية ارتكابها، فضلا عما أسفر عنه تقرير الصفة التشريحية لجثمان المجني عليها من جواز حدوث الواقعة وفق التصور الذي انتهت إليه التحقيقات وفي تاريخ معاصر.
نص اعترافات المتهم كاملة في التحقيقات
روى المتهم محمد عادل محمد إسماعيل عوض الله في تحقيقات النيابة العامة مُعترفًا اعترافًا تفصيليًا تطمئن إليه المحكمة تمام الاطمئنان، لسلامة إرادته وعدم تَعرضُه لأي إكراه من أي نوع، وقد تَطابَق اعترافه هذا مع الحقيقة والواقع فقال تفصيلا إنه تَعرف على المجني عليها نَيرة أشرف أحمد عبدالقادر كزميلة له في كلية الآداب جامعة المنصورة في غضون العام الجامعي 2020 وأمَدها بالأبحاث العلمية ونشأت بينهما علاقة عاطفية إلا أنها سرعان ما تنصلت منها.
فحاول مِرارًا وتكرارًا أن يَستعيدها ويُقربها منه من خلال مُراسلتها عبر تطبيقات التراسل الاجتماعي، إلا أنها حظرته من الاتصال بها؛ فتقدم لخطبتها فرفضته هي وأهلها وحصلت خلافات بينهما حررت على إثرها محاضر ضده بقسم شرطة ثان المحلة الكبرى، وعقدت جلسة عرفية تَـعهد فيها بعدم مضايقتها.
وقال عن تلك الجلسة نصا بالصحيفة الحادية عشرة من التحقيقات: "عملولي قَـعدة عَشان أنا كنت بَعَت الشتايم اللي بيني وبينها والرسايل لأهلها والناس اللي أعرفهم، وفي القعدة دي حكموا إن أنا أمسَح الصور اللي معايا، وإن أنا أمضي على إيصال أمانة عشان ما اتعرضش لبنتهم تاني ولا أجيب سيرتها، وأنا عملت كده بالفعل ومَسحت الصور والمحادثات".
وفي موضع آخر- الصحيفة الرابعة عشرة- قال نصًا عن ملابسات تلك الجلسة العرفية: "هما كلموني وقالولي عايزين نِخَلص الموضوع إللي بينك وبين بنتنا، ولما رُوحت لقيت ناس كثير وكلهم عرفوا الموضوع وحكموا عليَّ إن أنا أمسح الصور والمحادثات اللي معايا على تليفوني ومَضُّوني على إيصال أمانه وتعهُـد بعدم التعرض لها، ولما سُئل عن تَعرضه لإكراه إبان تلك الجلسة العرفية.
أجاب: "لا، احنا كنا قاعدين وكانت قَعدة حق، بس كان كلامهم شديد معايا، ومَحدش كان مِقدر اللي أنا عَملته مع نيرة"، وأضاف أنه تظاهَر بامتثاله لما انتهت إليه هذه الجلسة وقال عن ذلك نصًا يُجيب عن سؤال من المحقق بالصحيفة الخامسة عشرة: هل قُمت بالتعرض لها عَقب تلك الجلسة العُرفية؟
أجاب: "أنا كنت ساكت وخلاص ولكن كان في دماغي إني آخد حقي منها"، وفي موضع آخر بالصحيفة السابعة عشرة قال: "أنا في نُص شهر رمضان اللي فات، لقيت ناس جاية تقولي إبعد عن البنـت وملكـش دعــوة بيها وكفايـة اللي حصـل، علشان ميكـونش فيه مشاكل".
وعندما سأله المحقق وهل استَجبتَ إلى طلبهم بالابتعاد عن المجني عليها وعدم تَتبُعك لها بالأذى والتعرض لها، أجاب: "لا، لكن أنا سايرتهم لحد ما أتمكن منها في الامتحانات وأخلَّص عليها"، واعترف بأنه طيلة الفترة التي سبقت شهر رمضان الماضي كان يحاول التواصل معها لإنهاء ما بينهما ويعودا لبعضهما، ولكنها كانت تَـرفض وحَظرت اتصالاته.
وقال عن ذلك نصًا بالصحيفة السادسة عشرة: "أنا طول الفترة اللي قبل رمضان اللي فات، وأنا كنت بعمل أكاونتات علشان أتواصل معاها؛ لأنها كانت عَملالي بلوك على أي أكاونت لها"، وأضاف أنه منذ شهر رمضان الماضي قرر التخلص من المجني عليها ليضع حدًا لما بينهما، وأخذ قراره فيما بينه وبين نفسه أن ينتقم لنفسه منها ويُنهي حياتها، وقال عن ذلك نصًا باعترافه بالصحيفة الحادية عشرة: ";وأنا في رمضان اللي فـات قررت إنْ أنا أخلَصْ منها وأشوف حَد للموضوع ده، وأنا أخدت قرار بيني وبين نفسي إنْ أنا هنتقم لنفسي وأخلَّصْ عليها، واستنيت الامتحانات بتاعة الترم الثاني علشان أعمل اللي في دماغي وانتقم لنفسي".
ولما شاهدها في الجامعة بعدها في خلال امتحانات العام الجامعي المذكور، حاول التحدث معها فاستعانت بضابط الأمن، مما أثار حفيظته وصمَّمَ على الانتقام منها؛ ما دامت لم تَقبله شريكًا في الحياة، ووضع مُخططه لقتلها. وقال عن ذلك نصًا في الصحيفة السابعة عشر: "أنا كان في بالي إن أنا أجيب حَد وأخليه يخلَّص عليها، أو يِعَلِّم عليها مدى حياتها؛ علشان تِعرف إنِّي أقدر أعمل إيه"، ثم أضاف بالصحيفة الثامنة عشر: "أنا فَـكَّرت إني أخلَّـص عليها في ثالث يوم امتحان ليها، وإني هنفذ قتلها بسكين".
فعقد العزم على تنفيذ مُخططه خلال فترة أداء امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2022 وأعدَّ له عُدته على أن يكون خلال ذهابها أو إيابها من الجامعة.
وبعد أداء الامتحان الأول، وفي غُرَّة شهر يونيو 2022، اشترى سكينًا جديدًا من مَحل أدوات منزلية بمُحيط محل إقامته بمدينة المحلة الكبرى، وله جراب، لم يشأ إخراجه منه ليُحافظ عليه حادًا كما هو ليتمكن من سُرعة إزهاق روحها، وأنه اختار هذا النوع من السلاح لكونه طباخًا وله دراية ومَهارة في استخدام السكاكين.
وقال عن ذلك نصًا بالصحيفة الثامنة عشرة: علشان ده إللي يناسبني، وأنا شغال طباخ وبَعـرَف أستخدم السكاكين كويس. وأضاف: وأنا عارف إنْ السكينة الحامية هي اللي مُمكن تدبح، وإنها بتستخدم في ذلك، وأنا بستخدمها كويس لأن ده شغلي.
لكنه أرجأ التنفيذ خلال أداء الامتحان الثاني تَحسُبًا من أن يكون برفقتها أحد من أهلها، ولكي يَخدعها بالأمان من تهديداته مؤقتًا؛ حتى تَسنح له الفرصة التي تُحقق النتيجة التي قَصَدها وهي قتلها، وقال عن ذلك نصًا في الصحيفة التاسعة عشرة عن سؤاله لماذا استقرَّ اختياره على ثالث أيام الامتحانات دون اليومَين الأولَيين.
أجاب: لأنْ أنا كُـنت خايف إنْ يكون معاها حَد من أصحابها أو أهليتها، ولأنْ هيَّ كانت عارفه إني مش هَسكت، فقلت لازم أطمنها لحد ما أتمكن من تنفيذ اللي أنا عايزه. فعقد العزم على أنْ يكون التنفيذ خلال انعقاد الامتحان الثالث في 11/6/2022 فتوجه إلى الجامعة مُحرزًا
السكين المذكور لهذا الغرض، ولكن الفرصة لم تُواته لعدم تمكنه من رؤيتها، وخلال أداء الامتحان الرابع أحرز ذات السكين مَرة أخرى ليُنفذ جريمته، ولكنه لم يتمكن من رُؤيتها في هذه المرة أيضًا. وفي الصحيفة التاسعة عشرة سألهُ المُحقق: ألم يَعدل فِكرك وتصميمك على إزهاق رُوح المجني عليها طوال تلك الفترة المار بيانها؟ أجاب: أنا كُنت واخد قراري وهنفذه. فصمَّم على أن يكون التنفيذ خلال انعقاد الامتحان الخامس في يوم 20/6/2022.
وقال عن قراره هذا بالصحيفتين الثانية عشرة والثالثة عشرة ما نصه: وامبارح قبل الامتحان الخامس كنت بكلم واحدة صاحبتي، لقيتها عارفة الحوار اللي بيني وبين نيرة، وعارفة كل حاجة عننا، فأنا قلت أنا لازم أخلص عليها ومخليهاش على وش الدنيا، نزلت النهاردة 20/6/2022 ومعايا السكينة ولقيتها قاعدة هي وزمايلها، ولما شوفتها قلت دي فرصة إني أنا أريح نفسي وأخلَص منها وهي نازلة من الباص، وأول ما نزلنا هي كانت سابقاني بشوية، وأنا نزلت وكان كل اللي في دماغي إن أنا أروح أخلص عليها، ومَشيت وراها، وأول ما قرَّبت منها طلَّعت السكينة من الجراب اللي أنا كنت حاططها فيه وشَفيت غليلي منها.
وفي هذا اليوم وهو في سبيله إلى الجامعة كان مُدجَجًا بهذا السلاح الأبيض، وتوجه إلى محطة حافلات شركة سركيس بميدان المشحمة بالمحلة الكبرى، واستقل إحدى الحافلات المتوجهة إلى جامعة المنصورة، فأبصرها هي وعدد من زميلاتها فيها، فاطمأنَّ لرُؤيتها ليثأر منها حتى لا يَستحوذ عليها سواه وفكَّر طيلة الرحلة التي استغرقت نصف الساعة في قتلها داخل الحافلة، لكنه تَريث مؤقتا لانتهاز فرصة أفـضل ليُجهز عليها، خشية أنْ يذود الركاب عنها فتفشل خُطته.
وقال فـي الصحيفة العشرين، عندما سُئل: هل المدة المستغرقة من تواجدك رفقة المجني عليها بمدينـة المحـلة ووصولك إلى مدينـة المنصـورة، لم تكن كافية إلى تَغيير ما استقر بوجدانك من إزهاقك لروح المجني عليها؟ أجاب نصًا: لا، أنا كُـنت مصمِّم وما صدَّقت إني أوصَل المنصورة علشان أخلص عليها. فلما بَلغَـت الحافلة مُنتهاها أمام بوابة الجامعة توشكي ونزل الجمعُ منها، وكانت المجني عليها وعدد من زميلاتها من السابقات سار من خلفهن عاقدًا العزم على إزهاق روحها، وإذ اقتربَت من بوابة الدخول استلَّ السكين من غمده من بين طيات ملابسه، وانهال عليها طعنًا به من الخلف فسقطت أرضًا.
فوالَى تسديد الطعنات إليها في مَقتل- هو صدرها من جهة اليسار وجنبها الأيسر- ثم مناطق متفرقة من جسدها، قاصدا إزهاق روحها فخارت قواها، فهرع إليه فرد أمن الجامعة وآخر مُحاولَين إنقاذها، فهددهما مُلوحًا لهما بالسكين، ثم عاد وهَـوَى على عُنقها وذبَحها وتَيقن أنها فارقت الحياة، لأنه يَعرف كيف يَضرب بالسكين وأين يضرب، ولكن فرد الأمن المذكور تَمكن من ضبطه والسلاح الأبيض المُستخدم في الحادث بعد تمام تنفيذه، وأن النيابة العامة واجهته في التحقيقات بمَقاطع الفيديو المصورة للحادث من كاميرات المراقبة بمُحيط هذا المكان.
فاعترف بأنه الشخص الذي يظهر فيها، وأنه القاتل للمجني عليها بعد تفكيره وتدبيره السابق.وقال عن ذلك وعن سبق إصراره نَصًا في التحقيقات بالصحيفة التاسعة عشرة: أنا صَحيت النهاردة خَدت السلاح في جرابه وحَطتيه في جَنبي اليمين، ونزلت اتمشِّيت لحَد مَوَصَلت المشحمة واستنيت الأتوبيس بتاع شركة سركيس علشان أوصل المنصورة وأخلَّص عليها ولما طلَعت الأتوبيس لقيتها قاعدة فيه، وطول الطريق كنت بفكَّر أقوم أخلص عليها، واستنيت لما تنزل وطلَّعت أجري وراها، وقبل ما أخُش عليها طلَّعت السلاح من جنبي، ونزَلت فيها طعن بالسلاح، وفيه ناس جَت تحُوش هوِّشتهم بالسلاح ورُوحت نازل عليها تاني ودابحها من رقبتها، وساعتها الناس مسكتني وسلموني للشرطة.
الحكم على محمد عادل قاتل نيرة أشرف
محكمة النقض قضت يوم 9 فبراير الماضي، برفض الطعن المقدم من المتهم محمد عادل في قضية نيرة أشرف، وتأييد حكم الإعدام الصادر بحقه من محكمة الجنايات، في القضية رقم 11409 لسنه 2022 قسم أول المنصورة والمقيدة برقم 1191 لسنة 2022 جنايات المنصورة.
قرار محكمة القضاء الإداري بالرفض
وكانت محكمة القضاء الإداري بالقاهره قضت قضت منذ يومين بعدم الاختصاص في نظر دعوى وقف إعدام المدان محمد عادل والتي كانت قد تقدم بها المحامي خالد البري عن أسرته.
كانت النيابة العامة قد اتهمت محمد عادل محمد إسماعيل عوض بأنه في يوم 20 / 6 / 2022 بدائرة قسم أول المنصورة محافظة الدقهلية، قتل المجني عليها نيرة أشرف أحمد عبد القادر عمدًا مع سبق الإصرار، بأن بَيَّت النية وعقد العزم علي قتلها انتقامًا منها لرفضها الارتباط به، وإخفاق محاولاته المتعددة لإرغامها علي ذلك.
تنفيذ حكم الإعدام
نفذت مصلحة السجون بسجن جمصة، في محافظة الدقهلية، الأربعاء، حكم الإعدام الصادر ضد محمد عادل لاتهامه بقتل الطالبة نيرة أشرف في يونيو 2022، أمام إحدى مداخل جامعة المنصورة، وذلك بعد رفض الطعن المقدم من قبل المتهم.
والد نيرة أشرف: أخيرا بنتي هتستريح في تربتها
قال والد الطالبه نيرة أشرف بعد علمه بخبر تنفيذ حكم الإعدام في محمد عادل قاتل ابنته "الحمد لله بنتي ربنا رجعلها حقها وأخيرا هتستريح في تربتها دلوقتي".
وأوضح والد نيرة أشرف في تصريح له بعد تنفيذ حكم الإعدام في الطالب محمد عادل بنتي مش هترجع تاني وأنا مش فرحان لكن ده عدل ربنا عشان أحس إن بنتي أخدت حقها وهي دلوقتى أكيد مرتاحة في تربتها.
مرافعة النيابة في قضية نيرة أشرف
وجاء في المرافعة: "في الحادية عشرة صباحا أمام بوابة توشكى بجامعة المنصورة، ووقت زحام شديد، لحق المتهم بالمجني عليها وانهال عليها بطعنات متتالية بسرعة وتتابع بأنحاء متفرقة بجسدها حتى سقطت أرضا متأثرة بجراحها، فحدثته بنظرها بأي جرم طعنتني؟، وبأي ذنب قتلتني؟، يا محمد ما وعدتك بشيء وأخلفته، أنت الذي توهمت شيئا وصدقته، ونظر لها المتهم وبغضب وكره يقول والله لأذبحنك حتى لا تكوني لأحد غيري وسقطت المجني عليها وأحكم إمساكها ونحرها بعدما طعنها مرات ومرات 19 جرحا في جسدها، وسقطت نيرة أرضا والدماء تسيل عاجزة عن المقاومة أو الاستغاثة بغيرها، يا محمد هذا حصاد زرعك وانتهت أفعاله بجريمة نكراء، فيا أسفاه على فقيدة شهيدة بلغت من العمر 20، ولم تلحق بركب شبابها ولم تهنأ بحياتها والمجتمع بأسره عليها جريح مكلوم وحزين، قُتلت نيرة، وقتلها المتهم الماكر شر قتلة، ووقف الحضور في ذهول واضطراب وخوف ورجاء من هول المنظر الدامي، تمنوا أن تكون الفتاة على قيد الحياة، وحالة من الفزع الرهيب أصابت الشارع بأكمله وأصابت المجتمع بأسره الجريمة موثقة، وخبرها مدو يجوب الأرض والسماء، ما الذي أصاب بني آدم، أين هم من رب العالمين، إنها حتما طباع آثمة وما كان الله ليضيع أجر المحسنين، والآن نترك المجني عليها بين يدي رب العالمين نحتسبها شهيدة سعيدة مع الشهداء والصالحين، فلا تهنوا ولا تحزنوا فإن القصاص على الأرض قادم وحكم الله في الأرض نافذ والعدل أبدا لن يغيب أو يضيع، وندعو الله لأم مكلومة وأب انفطر قلبه على فلذة كبده وأشقائها ومحبيها أن يربط الله على قلوبهم".
توثيق لحظة الجريمة
وأضاف في المرافعة: "ضبط المتهم فور ارتكاب الجريمة، وسقناه للمحكمة للقصاص العادل، وشاء رب العالمين بهذه القضية توثيق هذه اللحظات التي ارتكب بها المتهم جريمته بتسجيلات كاميرات المراقبة، بالإضافة لأدلة تتفق مع ما شهدناه جميعا من اعتداء وحشي سافر عيانا بيانا جهارا نهارا، وهي أقوال 25 شاهدا وتقارير فنية وإقرار المتهم تفصيلا بالتحقيقات، وإقرار المتهم نفسه بالتحقيقات، حينما قال (ما صدقت شوفتها وقعدت أضربها بالسكينة بجسمها، وطلعت السكينة من جنبي قبل ما أوصل لها ونزلت عليها تاني ودبحتها برقبتها ومفيش مقاومة هي ملحقتش أنا عارف بضرب فين وعارف هخلص عليها إزاي)، وهو ما تأيد تفصيلا مع أقوال الشهود، حتى إن فرد الأمن الذي تدخل وأبعدها عنه أكد أنه لولا تدخله لم يكن يتركها الجاني حتى يفصل رأسها عن جسدها".
وتابع: "لقد شغف القاتل حب تملك المجني عليها، وملأ عقله وفكره بالاستحواذ والسيطرة عليها ولم تغب عن فكره ووجدانه ولذلك قتلها واعترف وقال أيوه قتلتها بإرادتي، وثبت سبق الإصرار لدى المتهم، لما قال كان بيراودني أخلص عليها من سنة ونص، ومحاولات إبعاد الجميع القاتل عن نيرة، وخلال التحقيقات لم نلاحظ أي اضطرابات على المتهم خلال التحقيقات أو المحاكمة، ولم توجد إشارات لاضطرابات مما ينفي إصابته بأي آفة عقلية أو نفسية تسلبه الإرادة والإدراك، بل قدرة المتهم على الكذب وتصويره لنفسه كضحية يؤكد سلامة عقله".
الدفاع في موقف حرج
وأكدت الكلمة أن "النيابة العامة تتفهم موقف الدفاع الحرج في هذه الدعوى وتتفهم أن أداءه لواجبه الطبيعي يفرض عليه أن يبحث للمتهم عن ظرف مخفف للعقاب، وإنا نقول إن النيابة العامة ورجالها بهذه الدعوى وغيرها حراس المجتمع ووكلاؤه وخصم شريف، فلو كان للمتهم ظرف مخفف واحد ظهر في التحقيقيات يخفف بالعقوبة أو نظرة المجتمع له لكانت النيابة أول من يتطرق للدفاع عنه ولكن الحقيقة أن القضية مغلقة وأن دفاع المتهم معذور في رغبته وسعيه للبحث عن أي ظرف للدفاع، ولذلك فإن النيابة العامة تطالب دفاع المتهم من واقع شرف المهنة التي يمارسها أن يعفي نفسه من الدخول في مهاترات تضيع الوقت وتفتح علينا بابا من المرافعات وتدعوه إذا كان لديه وقائع ثابتة أن يقدمها، فأراد الله تعالى ألا تهدر دماء هذه الشهيدة لما توافرت بها من أدلة والجاني لم يكن في حالة غضب ولم تصبه أي آفة نفسية أو عقلية، فيا قضاة الحق والعقل الظرف المخفف في هذه القضية أن يقتل هذا الجاني في أسرع وقت، ونطالبكم بالمسارعة بالقضاء بأشد عقوبة على هذا المتهم وهي الإعدام شنقا جزاء ما اقترفت يداه".
كلمة القاضي: دنيا مقبلةٍ بزخارفها وإنسان متكالبٍ على مفاتنها
وقبل أن تقضي محكمة جنايات المنصورة (دلتا) بإحالة أوراق المتهم، إلى مفتي الديار لأخذ الرأي الشرعي في إعدامه، ألقى المستشار بهاء الدين المري، رئيس المحكمة، كلمة وقال: "قبلُ النطقِ بما انتهتْ إليهِ المداولةُ، تقدمُ المحكمةِ بكلمةٍ إلى المجتمعِ، تراها في هذا المقامِ واجبةً".
وأضاف: "دنيا مقبلةٍ بزخارفها، وإنسان متكالبٍ على مفاتنها. ماديةً سيطرتْ، فاستلبتْ العقولَ وصارَ الإنسانُ آلةً، يقينٌ غابَ، وباطلٌ بالزيفِ يحيا، وتفاهاتُ بالجهرِ تتواترُ، وبيت غابَ لسببٍ أوْ لآخرٍ، والمؤنساتُ الغاليات صرنَ في نظرِ الموتورينَ سلعةً، والقواريرُ فواخير، ونفس تدثرتْ برداءِ حبٍ زائفٍ مكذوبٍ. تأثرتْ بثقافةِ عصرٍ اختلطتْ فيهِ المفاهيمُ. الرغبةُ صارتْ حبًا، والقتلُ لأجلهِ انتصارًا، والانتقامُ شجاعةً، والجرأةُ على قيمِ المجتمعِ وفحشِ القولِ والعلاقاتِ المحرمةِ، تسمى حريةٌ مكفولةٌ".
وتابع: "منْ هذا الرحمِ ولدَ جنينا مشوهًا، وقودُ الأمةِ صارَ حطبها. باتَ النشءُ ضحيةً قدوةً مشوهةً، وثقافاتٌ، مسموعةً ومرئيةً ومقروءةً، هذا هوَ حالها. ومنْ فرطِ شيوعهِ، واعتبارهُ منْ قبلُ كثيرينَ كشفًا لواقعٍ، زينْ لهمْ فرأوهُ حسنًا، فكانَ جرمُ اليومِ لهُ نتاجًا. أفتذهبْ نفسنا عليهمْ حسراتٌ؟ إنَ هذا الخللِ، إنَ لمْ نأخذْ على أيدي الموتورينَ ومروجيهِ؛ استفحلَ ضررهُ، وعزَ اتقاءَ شرهٍ، واتسعَ الرتقُ على الراتقْ".
ومضى قائلًا: "ولكلِ ما تقدمَ، تطلقَ المحكمةُ صيحةً، يا كلّ فئاتِ المجتمعِ لا بد منْ وقفةٍ. يا كلّ منْ يقدرُ على فعلِ شيءٍ هلموا. اعقدوا محكمةَ صلحِ كبرى بينَ قوى الإنسانِ المتابينة، لننميَ فيهِ أجملُ ما فيهِ. أعيدوا النشءُ الملتوي إلى حظيرةِ الإنسانيةِ. علموهمْ أنَ الحبَ قرينَ السلامِ، قرينُ السكينةِ والأمانِ، لا يجتمعُ أبدًا بالقتلِ وسفكِ الدماءِ. أنَ الحبَ ريحَ منْ الجنةِ، وليسَ وهجًا منْ الجحيمِ. لا تشوهوا القدوةُ في معناها فتنحلّ الأخلاقُ. عظموها تنهضُ الأمةُ. هكذا يكونُ التناولُ، بالتربيةِ، بالموعظةِ الحسنةِ، بالثقافةِ، بالفنونِ، بمنهجِ تكونِ الوسطيةِ وسيلتهُ، والتسامحُ صفتهُ، والرشدُ غايتهُ".
ووجه القاضي حديثه إلى أولياء الأمور قائلًا: "إلى الآباءِ والأمهاتِ نقول: لا تضيعوا منْ تعولونَ. صاحبوهمْ، ناقشوهمْ، غوصوا في تفكيرهمْ، لا تتركوهمْ لأوهامهمْ، اغرسوا فيهمْ القيمُ".
ثم وجّه حديثه إلى المتهم محمد عادل فقال: "وإلى القاتلِ نقولُ: جئتُ بفعلٍ خسيسٍ هزَ أرضًا طيبةً أسرتْ لويسْ. أهرقتْ دمًا طاهرًا بطعناتِ غدرٍ جريئةٍ. ذبحتْ الإنسانيةُ كلها، يومٌ أنَ ذبحتْ ضحيةً بريئةً. إنَ مثلكَ كمثلِ نبتَ سامٌ في أرضِ طيبةَ. كلما عاجلهُ القطعَ قبلَ أنْ يمتدَ، كانَ خيرًا للناسِ وللأرضِ التي نبتَ فيها".
وفي ختام كلمته قال القاضي: "نعودُ إلى الدعوى: بعدٌ مطالعةِ الأوراقِ، وسماعَ المرافعةِ الشفويةِ والمداولةِ، فقدْ اطمأنَ وجدانُ المحكمةِ تمامَ الاطمئنانِ، وبالإجماعِ، إلى أعمالِ نصِ الفقرةِ الثانيةِ منْ المادةِ 381 منْ قانونِ الإجراءاتِ الجنائيةِ. لذلكَ: قررتْ المحكمةُ، إرسالُ أوراقِ القضيةِ إلى فضيلةِ مفتي الجمهوريةِ، لأخذِ الرأيِ في إنزالِ عقوبةِ الإعدامِ بالمتهمِ، وحددتْ للنطقِ بالحكمِ جلسةَ يومِ الأربعاءِ الموافقِ السادسِ منْ شهرِ يوليو 2022".