النتائج على المدى البعيد.. الحرب النفسية محسومة لصالح الفلسطينيين على حساب الاحتلال
كتب-كنعان الموسى
الحروب وما تحمله من جوانب في إدارة الصراع، تستخدم أدوات تكون عبارة أساليب آخرها استخدام السلاح الناري والقتال، وهذا ما يبنى على أسس استراتييجية وعلمية وإجراءات تكتيكية مضبوطة ومدروسة يتم تنفيذها بإحكام ودقة شديدين، أساس نجاحها الاعتماد على نقاط وخلق أسباب إن لم تكن موجودة، والفصل يتمحور في المعنويات والحرب النفسية، فمن دعم جبهته الداخلية وجيوشه بالتأثير الإيجابي قبل خوض الحرب كان انتصاره في الصراع أكبر احتمالات ما يحدث من نتائج.
وإذا أتينا للدخول في الأثر النفسي وخاصة ما جرى من إظهار الدعاية "الإسرائيلية" وما تم بناءه على أيدي الحركة الصهوينية طوال مئة عام مرت، وبعدها الانيهار المفاجئ والناتج عن صدمة معرِفة الحقيقة، وكشف غالبية "الإسرائيليين" لأكذوبة ادعاءات جيش الاحتلال الصهويني، المتمثلة بأنه “الأسطورة التي لا تقهر”، وبيّن الضعف الكامن وراء الإجراءات النفسية التي كان هذا الكيان يختبئ خلفها، ويدعمها بكل أنواع الأسلحة المتطورة، وهنا عرف المستوطنون أن حكومتهم وجيشهم وكل مؤسساتهم الأمنية غير قادرة على حمايتهم، خاصة بعد ما انهار الجنود واستسلموا دونما أي مواجهة تذكر، يوم السابع من أوكتوبر الجاري، فسقطوا قتلى وجرحى وأسرى او هاربين مذعورين من أمام مجموعات معدودة من المقاومين الفلسطينين مزودين بأسلحة فردية خيفيفة، وبالتالي سقطت القناعة الوهمية التي زرعوها طوال العقود الثمانية الماضية في رأس يهود العالم الذين أقنعوهم بما سموه أرض الميعاد و"دولة اسرائيل"
الموقف النفسي المنهار لدى المستوطنين الصهاينة ومجنديهم، يجعل الأولوية في البحث ضمن النتائج الأولى من أحداث معركة طوفان الأقصى، والمشاهد التي ظهرت بدون أي رتوش فنية على الفيديوهات التي أظهرت ما حدث - أو عيّنات منها صورتها كاميرات المقاومين أثناء دخول المستوطنات والمواقع العسكرية الاسرائيلية، شرحت الصورة بشكل كافي، وهنا يتضح الحال الذي وصلت إليه "اسرائيل من الداخل". فمجرد رؤية المستوطينين لهذه المشاهد أعادتهم أجيال إلى الوراء للتفكير مجدداُ حول وجودهم في فلسطين، وطريقة جلبهم إلى أرض سرقوها وجعوها ملكهم بقوة الغرب لا بقوتهم.
من باب الحرب النفسية التي هي أساس أي صراع ووتقييم نتائجها الحالية في أرض فلسطين، نستطيع أن نقول أن البناء النفسي للمستوطنين الاسرائيليين بدأ يتهاوي، أو بأقل التقديرات بدأ يتصدع، وعاد قسم كبير منهم للتفكير الفعلي بترك أرض فلسطين والعودة إلى البلدان التي أتى منها آباءهم وأجدادهم، واعترف قسم كبير منهم ولو بدون الظهور الكثيف على الإعلام، بمقابل المتطرفين المتمسكين بالحلم الذي يورنه واقع بات على شفى الموت السريري.
"أنّ فلسطين ليست لهم"؛ هي الحقيقة الوحيدة التي وجدوها من خلال كل ما حدث، وهذه صدمة لن يُصلحها أي عمل علاجي - إسعافي كان أو على المدى الطويل- من قبل العاملين على الدعاية الإسرائيلية الؤلفة منذ 100 عام تقريبًا، فالوقائع لا تمحوها الإدعاءات وعمليات الغرس الدعائي برسائل تستهدف التأثير على الجمهور بعد هذه الصدمة أو لفترة منها ستطول بسبب حجم الخيبة من جيشهم وحكومتهم، والعقل لا يقبل إلا الأدلة الملموسة وليس المحكية مهما كانت مصنوة بدقة واحترافية عاليتين، وبدأ الحديث الجاد عن سرقة تاريخية قامت بها الحركة الصهيونية لأرض فلسطين. ودعوات من مستوطينين للمغاردة إلى الدول التي يحملون جنسياتها إلى جانب الجنسية "الاسرائيلية" وهذا ما يمكن أن ينتشر في.
أولوية الاسرائيليين اليوم كمستوطنين هي إعادة الأسرى الموجودين داخل غزة بيد المقاومة الفلسطينية، وهذا ما ينذر بقرب انهيار حقيقي وشامل في المجتمع الاسرائيلي الذي يعتمد بشكل واضح على الدين اليهودي جامعًا رئيسيًا في تكوين هويته القومية..
لا خيار آخر أمام نتنياهو، والمنقذ الوحيد هو أن يحاول إعادة هيبة وصورة الجيش الذي لا يقهر، ولكن لا يستطيع الاسرائيليون بغالبيتهم اليوم الثقة ببتحقيق هذا الخيار، خاصة بعد ما رأوه من قوة المقاومة مع بداية معركة طوفان الأقصى، ويزيد هذا التصور لدى المستوطينين معرفتهم بهروب وعدم رغبة عدد ليس قليل من الجنود خلال التحشيد الكبير المعلن عنه لجيش الاحتلال على جبهة غزة تحضيرًا لاجتياح بري وهذا ما يؤخر العملية البرية الاسرئيلية على القطاع المحاصر، علاوة على ذلك عدم رضوخ الفلسطينيين في غزة لكل هذا القصف الإجرامي المهول لآلة الحرب الاسرائيلية وكمية المجازر، بل على العكس رغم فواجعهم بخسارة الآلاف إلا أن عزيمتهم ومعنوياتهم وثقتهم بالنصر أكيدة وعالية، وهذا ما يضعف عزيمة الاحتلال بكل مكوناته.
محاولة الإنقاذ قد تبوء بالفشل وهذا المرجح في قراءة جوانب الصراع بين محور المقاومة ومحور الغرب، حيث تحاول الولايات المتحدة التي بدأت فعليًا تدير المعركة من تل أبيب بكل جوانبها أن تعيد الثقة التي فقدها القسم الأكبر من الاسرائيليين تحاول أن تريهم بأنهم ما زالوا مدعومين، هذه حقيقة، لكن الخوف والخشية المفرطين الآن من تكرار ما حدث أمر واقع في حياة المستوطينين.
إلى هذا كله نخلص إلى أن المعركة النفسية رغم كل اجراءات الكيان اللاسرائيلي ولا بد من تأكيد هذا المصطلح اليوم لأنه قد ثبت أنه هكذا فعلاُ، معركةٌ قد حسمها الفلسطينيون بقلب المعادلة المصورة للجميع، جيش لا يقوى على الدفاع فكيف في الهجوم!، وسياسيون منقسمون على ذاتهم؛ فكيف المستوطنين الذين أخلو عددا كبيرًا جدًا من المستوطنات، انهيار صورة الكيبوتس في مناطق غلاف غزة وما بعدها أي المناطق الواقعة بالقرب من الضفة الغربية، رفض عدد كبير من الجنود في جيش الاحتلال الالتحاق في المعركة، واللجوء لدول العالم المساندة لإسرائيل من أجل قيادة المعركة، كل هذا جعل المستوطنين الاسرائيليين يقبعون في الملاجئ بانتظار نتائج هذه الحرب التي اقتنعو في دواخلهم وأذهانهم أنهم مهزومون فيها لا محال لأنهم يعرفون أنهم يواجهون أصحاب الأرض الحقيقيين، ويواجهون حزب الله المستعد تماما الاستعداد للدخول بكل ثقة وقوة وإيمان في المعركة والدليل المناوشات في شمال فلسطين المعتلة والقصف المتبادل كل ساعة وأخرى.