أكل كلاب وقطط ولحوم بشر.. تعرف على قصة الشدة المستنصرية بعد ظهورها في مسلسل الحشاشين
ظهرت قصة الشدة المستنصرية في مسلسل الحشاشين، والمجاعة التي شهدتها مصر فلم تشهد مصر تجربة أليمة ومروعة مثل فترة الشدة المستنصرية، استمرت هذه الفترة لسبع سنوات مليئة بالعجاف والمحن.
تميزت بانخفاض مستوى المياه وجفاف الأراضي الزراعية، مما أدى إلى موت النباتات وانقطاع إنتاج الغذاء، فقد فقد الناس وظائفهم وانخفضت قيمة الأموال، وتدهورت الظروف الاقتصادية والأمنية بشكل كبير، مما أثر سلبًا على حياة الناس وزاد من معاناتهم.
حاكم عادل محبوب
على الرغم من أنه قد يبدو للبعض أن الظروف الصعبة في تلك الفترة نتجت عن قمع وظلم الحاكم المستنصر، إلا أن الحقيقة هي أن المستنصر كان حاكمًا عادلًا ومحبوبًا من شعبه، وكانت الأسباب وراء هذه الشدة مختلفة تمامًا عن الظلم والاضطهاد.
تعتبر الشدة المستنصرية العظمى التي بدأت في عام 457 هـ من أسوأ الأزمات التي مرت بها مصر، كان أحد الأسباب الرئيسية وراء هذه الأزمة هو انخفاض منسوب المياه، ولكن الأسباب المعقدة والمتعددة ساهمت أيضًا في تفاقم الأزمة. تدخل المستنصر بن الفاطمي في شؤون الحكم بشكل مباشر كان من أبرز تلك الأسباب، حيث تولى منصب وزير الدولة وسمح له بتعيين من يريد في هذا المنصب دون أي قيود، مما أدى إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية.
كما تسببت الصراعات العسكرية التي نشبت بين الجيش الفاطمي والعناصر العسكرية الأخرى في تفاقم الأزمة، تحالف الجيش الفاطمي مع الجنود الترك والبربر أدى إلى طرد الأجناد السودانيين من القاهرة وتفاقم الفساد في المناطق التي سيطروا عليها، أما الأتراك فقد غدروا بالبرابرة وسيطروا على القاهرة، مما أدى إلى نهب الثروات وانقطاع سبل النقل وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل كبير، وبالإضافة إلى هذه الأسباب، كان انخفاض منسوب المياه اللازمة للزراعة السبب الرئيسي وراء النقص الشديد في إمدادات الغذاء.
سنين عجاف
لم يعرف المصريين سنين عجاف كهذه السبعة التي أذلتهم، لم تعد هناك حياة كما يعرفها البشر فلقد فقد المصريين الغلة والقمح واللحوم وغيرها من صنوف الطعام. كانت الشدة المستنصرية ضربًا من ضروب الخيال التي يعجز العقل البشري عن تصديقها، فلقد أكل المصريين الميتات والجيف حتى أصبحت الكلاب والقطط تباع بأسعار باهظة لا يقوي عليها إلا كل ثري. وبعد فترة ليست بكبيرة اختفت الكلاب والقطط من الشوارع، أما عن سعر رغيف الخبز فلقد بلغ خمسة عشر دينارًا وثمن البيضة الواحدة من بيض الدجاج عشرة قراريط أما رواية الماء فقد بلغت سعرها دينارًا.
أصبحت الأملاك كافة غير قادرة على شراء الموارد التي أصابتها الندرة وهو مبدأ اقتصادي معروف. ذٌكر أن وزير الدولة ذهب في التحقيق في إحدى الوقائع وعندما خرج لم يجد بغلته فلقد خطفها الناس وأكلوها، أما الطامة الكبري فهي أن الناس بدأت تأكل بعضها البعض.
الشدة المستنصرية
ولأول مرة في تاريخ المحروسة أكل المصريون بعضهم، بدأت هذه الفاجعة بعد حدوث واقعة سرقة بغلة الوزير، فلقد ألقى الوزير القبض على ثلاثة ممن أكلوا بغلته وقام بصلبهم وعند الصبيحة لم يتبق من هذه الأجساد سوي العظام حيث التهم الناس لحومهم من شدة الجوع. وذٌكر أن هنالك زقاق يسمي بزقاق القتل كانت المنازل فيه منخفضة فعمل سكانها على إنزال الخطاطيف يصطادون بها المارة ومن ثم أكلهم. وصل الناس إلى درجة بيع كل ممتلكاتهم من أجل الحصول على الطعام فلم تعد للأموال فائدة أمام نُدرة الموارد، فلقد ذُكر أن النساء كُن يبعن مجوهراتهن الثمينة من أجل الحصول على قليل القليل من الطعام.
واقعة المرأة
هناك واقعة شهيرة في تاريخ مصر تعرف بـ "واقعة المرأة"، وهي واقعة حدثت خلال فترة الشدة المستنصرية. في هذه الواقعة، قامت امرأة ببيع عقد ثمين بقيمة ألف دينار للحصول على القليل من الدقيق. وأثناء عودتها إلى المنزل، تم نهب الدقيق منها من قبل الناس، وبقي لديها فقط رغيف واحد من الخبز. فقامت الامرأة بالوقوف على مكان مرتفع وصرخت بأعلى صوتها، داعية اهل القاهرة للدعاء للخليفة المستنصر بالله الذي جلب السعادة والبركة للناس في أيامه.
تفاقمت الأزمة ووصلت الشدة إلى المستنصر نفسه. وصلت الأمور إلى حد أنه لم يعد لديه شيء في حظيرته وباع رخام قبور آبائه وأجداده لشراء الطعام. وأصبح مدينًا بحياته لابنة واحد من الفقهاء التي قدمت له تصدقًا برغيفين يوميًا. في هذه الفترة، مات ثلث سكان المحروسة وتم بيع بيوت ثمينة من أجل شراء الخبز، وتفاقمت المجاعة بشكل متزايد حتى وصلت إلى أوجها.
لم يتحمل المستنصر المزيد من الأزمة، ولذلك طلب المساعدة من (بدر ابن عبد الله الجمالي)، الذي قد فقدت الدول العديد من البلدان التي كانت تحت سيطرته. وافق (الجمالي) على مساعدة المستنصر بشرط أن يتم تعيينه وزيرًا للدولة وأن يكون له سلطة كاملة لاستعادة النظام والاستقرار. بعد توليه المنصب، عمل (الجمالي) على إصلاح نظام الري وقنوات الري التي تعطلت، وأعطى اهتمامًا كبيرًا للزراعة. قام أيضًا بمحاربة الجند المتناحرة وطردهم من المحروسة.
بفضل جهود (الجمالي)، تم تحسين الوضع وعادت الأمور إلى طبيعتها. تم تجديد نهر النيل وتلاشت المجاعة. وتُذكر ذكرى (الجمالي) بتسمية حي في المحروسة باسمه، كما أنه صار رمزًا للعدل والإصلاح في تلك الفترة الصعبة من تاريخ مصر.