اغتنمها.. كيف تستعد لـ العشر الأواخر من رمضان؟
دائمًا ما تنقضي ليالي وأيام رمضان مسرعةً وقد مر من رمضان العشرة الأوائل ونحن الآن في منتصف العشرة الأواسط، وخلال أيام قليلة سوف نستقبل عشرة العتق من النار وهي العشرة الأواخر من رمضان، تعد العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك هي أفضل ليال للعبادة، والعمل الصالح، وتبدأ من ليلة 21 رمضان حتى ليلة 30 رمضان إذا كان الشهر كاملا، وفيها يتحرى المسلمون ليلة القدر لما لها من مكانة، فقال عنها الله تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾.
خصائص العشر الأواخر من رمضان وحال النبي صلى الله عليه وسلم فيها:
لقد خص الله تعالى العشر الأواخر من رمضان بمزايا لا توجد في غيرها، وبعطايا لا سبيل في سواها لتحصيلها، لذلك يحرص فيها المسلمون على كثرة العبادات وقيام الليل وقراءة القرآن والتهجد وترديد الكثير من الأدعية، وكل ذلك تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى وأملًا في قيام ليلة القدر، ليلة القدر التي قد خصها النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال لم يكن يفعلها في غيرها.. فمن ذلك الأعمال:
أولًا: كثرة الاجتهاد:
كان صلى الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) رواه مسلم.
وكان يحيي فيها الليل كله بأنواع العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشدَّ المئزر) رواه مسلم، فكان عليه الصلاة والسلام يوقظ أهله في هذه الليالي للصلاة والذكر، حرصا على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة.
ثانيا: الاعتكاف
ففي «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الاعتكاف فيها حتى قُبض.
والاعتكاف معناه لغةً: لزوم الشيء وحبس النفس عليه، وشرعًا: «المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة». (الفتح 4/341)، والأصل أنه عزوف عن الدنيا والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، وتفريغ القلب من أمور الدنيا، والاشتغال بالله وحده سبحانه، فلا ينبغي أن يشتغل بشيء يفوت عليه قصده. ولا يجعلن معتكفه مقصدًا للزوار الذين يفسدون عليه خلوته وجواره، وينبغي للمعتكف أن يتقلل من الطعام والشراب حتى لا يثقل عن العبادة والطاعة.
ثالثًا: اغتنام جميع الوقت
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، قال: وأيكم مثلي !
(إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) متفق عليه.
والمقصود هنا الغذاء الروحي، والفتوحات الربانية، وليس الطعام والشراب الحِسي، وإنما نهاهم عن الوصال حتى لا يضعفوا عن العبادة والاجتهاد في الطاعة، فإن كل ذلك كان منه اغتناما للوقت، وعدم تضييع شيء منه، ولو في طعام أو في منام فصلى الله عليه وسلم أعظم صلاة وأتم سلام.
رابعًا: تحري ليلة القدر
وما كان اجتهاده واعتكافه صلى الله عليه وسلم إلا تفرغًا للعبادة، وقطعًا للشواغل والصوارف، وتحريًا لليلة القدر، هذه الليلة الشريفة المباركة، التي جعل الله العمل فيها خيرًا من العمل في ألف شهر، فقال سبحانه وتعالي: {ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر:3).
في هذه الليلة تقدر مقادير الخلائق على مدار العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والسعداء والأشقياء، والآجال والأرزاق، قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} (الدخان:4).
وفيها تفتح الأبواب، ويسمع الخطاب، ويرفع الحجاب، ويستجاب فيها الدعاء ويتحقق الرجاء، ليلة انطلاق الإسلام ونزول القران، ليلة سلام فالله يريد للعالم السلام والأمان، سلام المجتمع، وسلامة القلوب والنفوس، وسلامة العلاقات بين الناس، {سلام هي حتى مطلع الفجر} (القدر:5).
إن هذه الليلة العظيمة يُستحب تحريها في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الأوتار أرجى وآكد، فقد ثبت في «الصحيحين» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)، وهي في السبع الأواخر أرجى من غيرها، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) رواه البخاري.
على الراجين تحري هذه الليلة المباركة وتحصيلها، الاجتهاد في هذه الليالي والأيام المقبلة، وأن يتضرعوا لنفحات الرب الكريم المنان، عسى أن تصيبهم نفحة من نفحاته لا يشقى العبدبعدها أبدًا.
أحب ما يًقال في ليلة القدر ؟
إن دعاء ليلة القدر مقبولا مسموعًا مستجابًا، فعلى العبدأن يكثر من الدعاء والتضرع وطلب خير الدنيا والآخرة، وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
توصيات للمسلمين في العشر الأواخر من رمضان
قدمت دار الإفتاء خلال السنين الماضية عددًا من التوصيات للمسلمين لإحياء ليلة القدر والفوز بثوابها، والتي جاءت وفقًا للآتي:
- في ليلة القدر أحرص على أن تكن لك سجدة طويلة فإن الرسول- صل الله عليه وسلم- قال في خطبته (وظهورُكم ثقيلةٌ من أوزارِكم فخفِّفوها عنها بطولِ سجودِكم).
- اشكر الله على نعمة إحياء ليلة القدر فإن نفرًا من الناس غافلون عنها، وآخرون على سرير المرض، فلتكن لك سجدة شكر لهذه المواهب والعطايا.
- ركّز على أهم الأدعية وهي العتق من النار والقرب من الله في الجنّة، واحرص على ترديد دعاء اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
- استثمر كل لحظة في ليلة القدر وإياك والتقصير فإن الجوائز مفتوحة في هذه الليلة فلا تقنع بالقليل واقرأ ما تيسر من القرآن.
- احرص على مناجاة الله في ليلة القدر بقلب حزين واستحضر كل سيئة وعمل قبيح وتفريط وتهاون صدر عنك.
- أكثر من الدعاء والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
- قم بالإلحاح والإصرار على الدعاء في ليلة القدر فإن ملائكة الله يألفون صوت العبد.
- ركّز على الكيف في ليلة القدر فليس المهم أن تنهي 100ركعة وقلبك ساهٍ لاهٍ.
- أكثر من الاستغفار والصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين.
- لا تنسَ إخراج الصدقات في ليلة القدر وتذكّر بها الفقراء والمحتاجين.
- أحيي ليلة القدر حتى مطلع الفجر، والملائكة في حال صعود وهبوط.
- تناول وجبة إفطار خفيفة ولا تثقل حتي تقوى عندها على الطاعة.
- احرص على التوجه القلبي في ليلة القدر فإنه سيد آداب الدعاء.
- ابتعد عن المشاحنات والكره واغفر لمن ظلمك من المؤمنين.
- تيقّن من إجابة دعائك فإن عدم اليقين قد يشكّل حاجزًا.
- كن عازمًا على التوبة قبل إحياء ليلة القدر وبعدها.
- خذ قسطًا من الراحة عصرًا حتي تنشط ليلًا.
- كن على طهارة طيلة هذه الليلة.
دعاء العشرة الأواخر من رمضان
- رَبَّنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
- رَبنا إِننَا سَمِعنا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ* رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
-اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي؛ فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ.
-رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وجَهْلِي، وإسْرَافِي في أمْرِي كُلِّهِ، وما أنْتَ أعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ، وعَمْدِي وجَهْلِي وهَزْلِي، وكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ.
- اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ مِن الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمْتُ منه وما لَمْ أعلَمْ وأعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علِمْتُ منه وما لَمْ أعلَمْ، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ مِن الخيرِ ما سأَلكَ عبدُك ونَبيُّكَ وأعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ ما عاذ به عبدُك ونَبيُّكَ وأسأَلُكَ الجنَّةَ وما قرَّب إليها مِن قولٍ وعمَلٍ وأعوذُ بكَ مِن النَّارِ وما قرَّب إليها مِن قولٍ وعمَلٍ وأسأَلُكَ أنْ تجعَلَ كلَّ قضاءٍ قضَيْتَه لي خيرًا.
- اللَّهمَّ اهدِني فيمن هديت، وعافِني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، إنَّكَ تقضي ولا يقضى عليْكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ.