الأمر متروك لله.. ماذا حدث مع الشيخ أحمد الطيب وكيف رد الأزهر على الحملة ضده؟
أثارت كلمة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال احتفالية المولد النبوي الشريف، جدلًا واسعًا في الأوساط الدينية والإعلامية وخارجها. جاءت الكلمة التي ألقاها الشيخ الطيب بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي لتؤكد أن المفاضلة بين الرسالات السماوية والأنبياء ليست من شأن عامة الناس، وإنما أمرها متروك لله سبحانه وتعالى وفق ما جاء في الشرع الحنيف.
وقد أثار هذا التصريح ردود فعل متباينة وانتقادات من بعض الجهات الدينية، بينما دافع آخرون عن الكلمة وأشادوا بمضامينها، في كلمته، قال الإمام الأكبر إن المؤمنين بتلك الرسالات لا ينبغي لهم المفاضلة بينها أو الحكم بأن نبيًّا أفضل من آخر، مشيرًا إلى أن ذلك يقتصر على ما ورد في النصوص الشرعية، استشهد الطيب بآيات من القرآن الكريم التي تؤكد أن الله فضّل بعض الأنبياء على بعض، مثل قوله تعالى: «تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات»، وأيضًا بحديث النبي ﷺ الذي نهى فيه عن تفضيل الأنبياء، حيث قال: «لا تفضلوني على موسى».
وركز شيخ الأزهر على أن هذا الأمر لا يجب أن يكون مجالًا للخلاف أو الجدال بين الناس، مشددًا على أهمية اتباع ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية في هذا الشأن، كما أشار إلى صفة «الرحمة» التي انفرد بها النبي محمد ﷺ، والتي جاءت في القرآن الكريم كتوصيف شامل لدوره ورسالة الإسلام.
الجدل الذي أعقب الكلمة
تسببت تلك التصريحات في موجة من الجدل في الأوساط الدينية والإعلامية، اعتبر البعض أن الشيخ الطيب بدعوته لعدم المفاضلة بين الأنبياء قد يفتح الباب أمام تقليل الفوارق بين الأديان، مما قد يؤدي إلى تمييع القضايا العقائدية، في حين رأى آخرون أن هذه الكلمة تعكس روح التسامح التي يدعو لها الإسلام، وهي محاولة للتأكيد على أهمية الوحدة الإنسانية والتعايش السلمي.
لم تقتصر ردود الفعل على الأوساط الإعلامية والدينية فقط، بل امتدت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شهدت منصات مثل فيسبوك وتويتر تفاعلًا كبيرًا، تداول المستخدمون مقاطع من كلمة شيخ الأزهر مع تعليقات متباينة، بعضها مؤيد يشيد بروح التسامح والاعتدال التي دعا إليها، والبعض الآخر منتقد يرى فيها تهديدًا للهوية الإسلامية.
علق عصام حلمي عبر صفحته على فيسبوك أن كلام الشيخ، وقال الكثير من الناس يتسرعون في الحكم على التصريحات بناءً على عناوين أو مقتطفات مجتزأة، مما يؤدي إلى سوء الفهم، وأشار إلى أن التفاضل بين الأنبياء والأديان ينبغي أن يستند إلى النصوص الشرعية فقط، وقد أكد أن الإيمان بجميع الأنبياء هو أصل من أصول العقيدة الإسلامية، وأن أي تفضيل يجب أن يكون مدعومًا بنصوص إلهية واضحة.
كتب محمد عزيز على صفحته: «حفظ الله شيخنا الجليل فضيلة الإمام الأكبر، إمام المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي، دمت فخرًا للأزهر ولمصر يا فضيلة الإمام الأكبر»، فيما قال آخر إن فضيلة الإمام يتعرض لحملة الهدف منها تشويه صورته: «اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها عما سيقت له بغرض التشويه؛ افتراءٌ وتدليس ينافي الأمانة وقواعد العلم».
انتقد أحمد سعد تصريحات شيخ الأزهر وقال: «أجمع العلماء على أن سيدنا محمد هو أفضل الأنبياء والرسل، حيث نهى عن نقاشات المفاضلة بينهم، هذا يعكس درسًا تربويًا وأخلاقيًا للمسلمين، إذ إن مثل هذه النقاشات قد تؤدي إلى الشحناء، وأكد أن التفاضل بين الرسل والأنبياء ثابت بالنصوص، كما قال تعالى:»لا نُفرّق بين أحدٍ من رسله«.
وقالت سلمى زهير: «التفاضل بين الأنبياء ليس في مقام النبوة، بل في خصائص معينة، فمثلًا، تميز إبراهيم بالخلة، وموسى بكلام الله، ومحمد بخاتمية الرسالة، هذا التفاضل مثبت بالقرآن والأحاديث، حيث قال تعالى:»ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض«، ومع ذلك، يجب الإيمان بجميع الأنبياء دون تفرقة بينهم».
ردود الأزهر على انتقادات «الطيب»
في ظل تزايد حدة الجدل، نشر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عبر صفحته الرسمية على فيسبوك بيانًا توضيحيًا، مؤكدًا أن الكلمة تم اجتزاؤها من سياقها بهدف التشويه والتدليس، وأوضح المركز أن كلمات شيخ الأزهر لا يمكن فهمها إلا في سياقها الكامل، مشيرًا إلى أن الهدف من الحديث كان توضيح أن التفاضل بين الأنبياء أمر مقيد بما ورد في النصوص الشرعية، وليس رأيًا شخصيًا.
أضاف المركز أن اجتزاء الكلمات من سياقها لتغيير معناها يعد افتراءً وتدليسًا يتنافى مع قواعد العلم والأمانة العلمية، وأكد أن ما جاء في كلمة الشيخ الطيب هو تعبير عن الفكر الإسلامي الوسطي الذي يتبناه الأزهر الشريف.
وأكد المجلس دعمه الكامل لكلمة شيخ الأزهر، موضحًا أن التفاضل بين الأنبياء هو أمر محسوم بالنصوص الشرعية، وليس مجالًا للاجتهادات الشخصية أو الخلافات العامة. كما دعا المجلس إلى عدم اجتزاء الكلمات من سياقها والابتعاد عن تسييس الخطاب الديني، مشيرًا إلى أن الشيخ الطيب لم يقل ما يخالف التعاليم الإسلامية، بل أكد على ما ورد في القرآن والسنة.
التفاضل بين الأنبياء
هاجم الدكتور عبدالمنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، كل من انتقد تصريحات شيخ الأزهر، وقال إن هناك بعض الغافلين ينصبون أنفسهم حكامًا على عقيدة شيخ الأزهر، وأضاف أن هؤلاء لو أدركوا كلمات الإمام المركزية، لفهموا جيدًا أن الهدف من حديثه هو توضيح أن التفاضل بين الأنبياء قضية عقيدية يجب أن تُحكم بوحي الشرع، وليس بأهواء الناس.
وأضاف عبدالمنعم أن شيخ الأزهر أشار في كلمته إلى أن الله تعالى هو الذي فضل بعض الأنبياء على بعض، مستشهدًا بقوله تعالى: «تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات»، فلماذا يتم اختلاق جدل بلا مبرر؟
وقال عبدالمنعم «كل من يظن أن الإمام الأكبر قد قلل من قدر النبي محمد ﷺ فهو شخص واهم»، مؤكدًا أن شيخ الأزهر لا يُزايد عليه أحد في حب النبي وعشقه، وقد دافع عنه في كل المحافل العالمية، فالإمام أكد أن النبي محمد هو سيد الأنبياء وقائد الغر المحجلين، وأن الشرع هو الذي أوضح هذا المقام العظيم.