هل تخلت حمـ اس عن قضية الأسرى؟
تشهد الساحة الفلسطينية منذ أكثر من عام صراعًا متجددًا بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، يهدف - وفقًا لأهداف حماس - إلى تحرير المسجد الأقصى وفك قيد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، خاصة أولئك الذين يقبعون منذ سنوات طويلة تحت ظروف قاسية.
لكن بعد مرور أكثر من عام على بدء التصعيد الحالي، تتزايد الأصوات الناقدة داخل المجتمع الفلسطيني، وخصوصًا بين عائلات الأسرى، إذ يشعرون بأن قيادة حماس لم تقم بالواجب الديني والأخلاقي تجاه قضيتهم، بل إن بعض القيادات يُتهمون بتقديم مصالحهم الشخصية على حساب قضية الأسرى وأسرهم.
إن قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية هي واحدة من أبرز القضايا التي تستحوذ على اهتمام الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي على حد سواء، حيث يعتبرون رموزًا للنضال والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وعلى مدى سنوات طويلة، كرست الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، الكثير من جهودها للتحرك من أجل تحرير هؤلاء الأسرى، وكان العديد من قيادات الحركة يؤكدون على أن تحريرهم واجب ديني وأخلاقي، بل وطني بامتياز، لا ينبغي التخلي عنه أو المساومة عليه.
ورغم أن حماس حققت نجاحات في السابق في ملف تبادل الأسرى، كما حدث في صفقة شاليط عام 2011، إلا أن الجهود الراهنة تبدو متعثرة أكثر من أي وقت مضى. ومع ارتفاع حدة الانتقادات التي تواجهها قيادة الحركة، يشير بعض المحللين إلى أن عدم التحرك بفعالية لتحرير الأسرى الحاليين يترك مجالًا للتساؤل حول أولويات هذه القيادات ومدى التزامهم بواجبهم تجاه شعبهم. وهنا يظهر جليًا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم". فالأسرى وعائلاتهم يعيشون معاناة يومية، لكنهم لا يشعرون بأن قياداتهم تشاركهم هذا الهم أو تبذل كل ما بوسعها لتحريرهم.
من جانب آخر، تركز بعض التقارير والتحليلات على أن جزءًا من تراجع جهود القيادة تجاه قضية الأسرى يعود إلى الأولويات السياسية والأمنية لدى حماس، حيث يُعتقد أن بعض القيادات باتوا ينشغلون ببقائهم السياسي والشخصي أكثر من اهتمامهم بتحقيق أهداف المقاومة، مما أثار استياء داخل صفوف الفلسطينيين. ويُقال إن هؤلاء القادة، الذين يقيم بعضهم خارج فلسطين في ظل ظروف آمنة، يتجنبون اتخاذ قرارات قد تعرضهم لمخاطر، ويفضلون الحفاظ على توازن معين في الصراع دون الدفع باتجاه التصعيد الذي قد يُساهم فعلًا في تحرير الأسرى، لكنه قد يحملهم عواقب جسيمة.
وفي ظل هذا المشهد، ترتفع أصوات داخل الشعب الفلسطيني تذكر قيادات حماس بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته". فالقيادة هي مسؤولية، وقضية الأسرى هي من أهم القضايا التي تمثل أولوية في حياة الشعب الفلسطيني وتستدعي التضحية والبذل دون تردد. لذلك، من غير المقبول بنظر كثيرين، خاصة من عائلات الأسرى، أن يتهرب القادة من مسؤولياتهم في هذا الملف الشائك، وأن يكونوا أكثر حرصًا على سلامتهم الشخصية على حساب معاناة أسرى قدموا الكثير من التضحيات في سبيل الوطن.
على صعيد آخر، يحذر محللون من أن هذا الموقف قد يضعف من شعبية حماس ويؤثر على مصداقيتها، خاصةً وأن الشارع الفلسطيني يشهد حالة من الإحباط جراء عدم تحقيق تقدم ملموس في ملف الأسرى أو ملف المسجد الأقصى. كما أن استمرارية الاحتلال وتفاقم معاناة الفلسطينيين في القدس وغزة تعمق من خيبة الأمل إزاء هذه القيادات، التي يُنتظر منها أن تعود لتولي اهتمامًا أكبر لهذه الملفات المصيرية، وتثبت أنها قادرة على تحمل مسؤولياتها كقيادة مخلصة لمصالح شعبها.
ويبقى السؤال الذي يشغل بال الكثيرين في فلسطين: هل ستعود حماس إلى تبني قضية الأسرى بجدية تامة، وتضع مصلحة الأسرى وعائلاتهم فوق مصالحها السياسية والشخصية؟ أم أن قادة الحركة سيبقون في حالة من المراوغة، متذرعين بالظروف الدولية والإقليمية لتبرير جمودهم؟ إن ما يتطلع إليه الأسرى وعائلاتهم ليس الوعود والخطب، بل خطوات فعلية ومبادرات جدية تُظهر اهتمام القيادة الصادق بقضيتهم، وتذكرهم بأنهم جزء أصيل من أبناء هذا الشعب، يستحقون أن تكون قضيتهم في مقدمة الأولويات.