من منصور إلى محسوب.. حكاية 5 كوابيس «سلاح وسطوة» بطلها «خط الصعيد»

في قلب الجبل، بقرية العفادرة بمحافظة أسيوط، احتمى محمد محسوب إبراهيم أحمد، الملقب بـ«خط الصعيد الجديد»، وعصابته داخل حصنهم المنيع، مستعدًا لجولة جديدة من المواجهات الدامية مع قوات الأمن. لكن هذه المرة، لم يكن هناك مفر. انتهت الأسطورة الدموية لمحسوب وأعوانه بمقتله بعد اشتباكات طاحنة، ليسدل الستار على أحد أخطر المجرمين في الصعيد.
لم يكن محمد محسوب سوى أحدث فصل في سجل طويل من الخارجين عن القانون الذين حملوا لقب «خط الصعيد»، وهو الاسم الذي ارتبط بأخطر المجرمين في جنوب مصر. بدأ كل شيء مع محمد منصور، الرجل الذي أرسى دعائم هذه الأسطورة الإجرامية في أوائل القرن العشرين، واستمرت القصة مع شخصيات أخرى مثل نوفل سعد، عزت حنفي، يحيى كامل، وغيرهم، ممن أرعبوا الصعيد قبل أن يلقوا المصير المحتوم نفسه.
محمد منصور.. أول «خط» في تاريخ الصعيد
كان محمد منصور «خط الصعيد» الأصلي، أخطر المجرمين الذين عرفتهم مصر في القرن العشرين. وُلد في قرية درنكة بأسيوط في أربعينيات القرن الماضي، ولم يكن مجرد قاتل أو بلطجي، بل زعيم عصابة مسلحة فرضت سيطرتها على القرى والطرق الرئيسية، وجعلت من الجبل معقلًا لها بعيدًا عن أعين القانون.

بدأت قصته حين دخل في صراع مع شيخ خفراء قريته، أدى إلى مذبحة راح ضحيتها العشرات، مما جعله مطلوبًا للثأر والهروب إلى الجبل مع أشقائه. هناك، بدأ في تجنيد الفارين والمطاريد، وحوَّلهم إلى تنظيم مسلح يهاجم القرى، يسرق، يقتل، ويفرض الإتاوات. لم تقتصر جرائمه على القرى الصغيرة، بل وصلت إلى حد اعتراض طريق سيارات المسؤولين الحكوميين وإطلاق النيران عليها، في تحدٍّ سافر للدولة.
لم يكن إلقاء القبض عليه بالأمر السهل، فقد استطاع الإفلات من حملات أمنية متتالية، مما جعل ثلاث حكومات متعاقبة تعجز عن التصدي له. ومع تصاعد الضغط، تم التخطيط لمداهمة محكمة بمساعدة الأهالي وبعض رجال الأمن السريين، وتمكنوا في النهاية من قتله بعد معركة استمرت لساعات، ليسقط أول من حمل لقب «خط الصعيد»، لكنه لم يكن الأخير.
عزت حنفي.. إمبراطور المخدرات في النخيلة
أما عزت حنفي، فهو نموذج مختلف من «خط الصعيد»، حيث لم يكن مجرد مجرم تقليدي، بل رجلًا استطاع بناء إمبراطورية إجرامية في جزيرة النخيلة بأسيوط، مستغلًا موقعها الجغرافي لتحويلها إلى مركز لزراعة المخدرات، وتسليح رجاله بأسلحة ثقيلة، منها بنادق آلية وقذائف «آر بي جي».
استمرت عصابته لسنوات، وبلغت قوتها حد احتجاز رهائن من أهالي النخيلة لمساومة الشرطة. وفي عام 2004، شنت أجهزة الأمن حملة مكبرة بمشاركة القوات الخاصة لمحاصرته، وبعد أيام من المواجهات، تم القبض عليه، ونُفذ فيه حكم الإعدام عام 2006، لتنتهي أسطورة «إمبراطور المخدرات».

يحيى كامل.. «تكية» خط الألفية الجديدة
ظهر يحيى كامل، الملقب بـ«تكية»، في سوهاج كأحد أخطر زعماء الجريمة في الألفية الجديدة. قاد عصابة مسلحة نفذت أكثر من 150 جريمة، شملت القتل، تجارة السلاح، الخطف، وفرض الإتاوات. حكم عليه بالسجن لمدة 300 سنة، لكنه ظل هاربًا لسنوات حتى قُتل في اشتباك مع الشرطة عام 2020، لتنتهي فصول واحدة من أكثر العصابات الإجرامية خطورة في التاريخ الحديث.
نوفل سعد.. خط الثمانينيات الذي أرهب قنا
في محافظة قنا، ظهر نوفل سعد الدين في أواخر السبعينيات، بعدما فقد والده وشقيقه وعمه وأبناء عمه في نزاع ثأري. من مجرد شاب يسعى للانتقام، تحوَّل إلى زعيم عصابة مسلحة سيطرت على الطرق الزراعية وفرضت الإتاوات على التجار والمزارعين.

كانت العصابة تستخدم الأسلحة الثقيلة، وتنفذ عمليات خطف وابتزاز، حتى صار اسم «نوفل سعد» مرادفًا للرعب في الصعيد.، انتهت قصة نوفل سعد عام 2007، حين داهمت الشرطة أحد أوكاره واشتبكت معه في معركة انتهت بمقتله، لتتكرر نفس النهاية التي واجهها من سبقه.
محمد محسوب.. آخر فصول خط الصعيد
لم يختلف محمد محسوب كثيرًا عن سابقيه، فقد كون عصابة مسلحة، وسيطر على قرى بأسيوط بقوة السلاح. كان متهمًا في 44 جناية، وصدر بحقه أكثر من 500 حكم قضائي. لكن في 17 فبراير 2025، وبعد ثلاثة أيام من المواجهات المسلحة، لقي مصرعه في مداهمة أمنية، لتنتهي أحدث حلقات سلسلة «خط الصعيد».
«خط الصعيد» في السينما.. فيلم «الوحش» (1954)
جسدت السينما المصرية شخصية «خط الصعيد» في عدة أعمال، وكان أبرزها فيلم «الوحش» عام 1954، بطولة محمود المليجي، أنور وجدي، وسامية جمال، ومن تأليف نجيب محفوظ وإخراج صلاح أبوسيف.
يقدم الفيلم شخصية «محمد منصور»، زعيم العصابة الذي يفرض سلطته على قرية بأكملها، مستخدمًا العنف والقتل والترهيب. تدور الأحداث حول محاولات رجال الشرطة القبض عليه، وكيف يواجه الضابط المسؤول تحديات كبيرة أثناء تعقبه. يتميز الفيلم بأسلوبه الواقعي الذي أظهر حياة العصابات في الصعيد، حيث استطاع المليجي أن يجسد الشخصية ببراعة، ما جعل دوره أحد أبرز أدواره السينمائية.

اعتمد الفيلم على توثيق دقيق لأساليب العصابات، مما جعله أحد أهم الأفلام التي ناقشت ظاهرة «خط الصعيد»، وحظي بإشادة النقاد والجمهور على حد سواء. ولا يزال حتى اليوم، أحد الأعمال التي تعكس حقبة من الزمن، حيث كان الإجرام في الصعيد ظاهرة يصعب السيطرة عليها.