من أوائل الجمعيات السرية في مصر.. ما علاقة نقابة النشالين بمسلسل النص في رمضان 2025؟

«تعتبر نقابة النشالين من أوائل الجمعيات السرية في مصر»، عبارة اختتمت بها الحلقة الثانية من مسلسل «النص»، بطولة الفنان أحمد أمين، والذي يلعب دور «عبدالعزيز النص»، شيخ النشالين، ويقوم بتكوين عصابة لسرقة المواطنين خلال فترة الأربعينيات، إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر.
وأكد صناع العمل في الإشارة -بعد نهاية الحلقة- أن «المسلسل من وحي التاريخ ولكن، تعتبر نقابة النشالين من أوائل الجمعيات السرية في مصر، حيث كانت مجهولة المقر والنقيب والأعضاء، خوفًا من وصول البوليس لهم، وصل عدد أعضائها لخمسة آلاف عضو، من بينهم ألف سيدة».
وسلط مسلسل النص الضوء على النشالين، حيث أن المسلسل «كوميديا سوداء» مستوحاة من وقائع تاريخية، يستلهم بعض أحداثه من كتاب «مذكرات نشال» للباحث التاريخي أيمن عثمان، حيث يجسد «أمين» دور «شيخ النشالين عبدالعزيز النُص»، وهو أكبر نشال في مصر، نُشرت مذكراته عام 1930، وكتب تحت العنوان «قصة انتقادية فكاهية تعطيك صورة من أخلاق وعادات النشالين، والذي طلب من حسني يوسف، محرر جريدة لسان الشعب بمصر، تحريرها ونشرها، بعدما تأثر بالفكرة عندما تناهى لسمعه كتابًا يُباع بعنوان «مذكرات فتوة».
وتدور أحداث مسلسل «النص» عن نشال تائب عاش في ثلاثينيات القرن الماضي، يسعى إلى البحث عن مصدر رزق مشروع، إلا أن الأقدار تضعه في قلب صراعات سياسية وأحداث غامضة، ومع تصاعد الأحداث، يجد نفسه يتحول من مجرد نشال إلى بطل شعبي حيث يقوم بتشكيل عصابة لسرقة المواطنين خلال فترة الأربعينيات وقت الاحتلال الإنجليزي، ويحاول وكيل النيابة الذي يجسد دوره الفنان صدقي صخر القبض عليه.
و«تكثر الجمعيات السرية، عندما يسود الطغيان والاستبداد والضيق والحرمان، ويشعر الناس بالحاجة إلى مقاومة الطغيان، لكنها في أحيان أخرى كانت وسيلة من أقوى وسائل الهدم والتدمير، أو هز أركان المجتمع وزعزعة رواسيه.. فليست هي خيرًا خالصًا ولا شرًا محضًا، وأنما هي مزيج من الخير والشر، وتبدو صالحة نافعة وقد تظهر ضارة هدامة».. هكذا وصفها على أدهم في كتابه «الجمعيات السرية»، وكأننا نرى جماعة «بلاك بلوك» امتدادًا للجمعيات السرية التي ظهرت قديمًا.
أول جمعية سرية ظهرت في مصر قادها إبراهيم الوردانى، وقد آمنت بأن الرصاص وحده هو القادر على إسكات أنصار الاحتلال، وبتأسيس نادى المدارس العليا سنة 1905، اجتمعت أول جمعية عمومية له من صفوف الكلية والخريجين، ومن النادى انطلقت في سنة 1910 رصاصات هزت مصر، والاحتلال البريطانى، أطلقها «الوردانى» الذي درس الصيدلة في لوزان بسويسرا، وعاد إلى القاهرة ليساهم بنشاطه في الحزب الوطنى الذي أسسه الزعيم مصطفى كامل وفى نادى المدارس العليا ثم توقفت هذه الجمعية.
وعندما قامت ثورة 1919، رأى قادة الثورة أنه يجب وجود تنظيم مقاومة تحتية يُبقى على الدوام شعلة الثورة متقدة وتطيل المقاومة ضد الإنجليز، وتشكلت 9 جمعيات سرية قى أقل من عام واحد منذ انفجار الثورة بقيادة سعد زغلول، كما ذكر الدكتور عبدالعظيم رمضان في كتابه «تطور الحركة الوطنية في مصر 1918- 1936»، ومن بين هذه الجمعيات جمعية «اليد السوداء» برئاسة عبدالحليم البيلى، وأبى شاد بك، ومصطفى القياتى، ومحمود أبوالعيون، وضمت عددًا من الطلبة، كان هدفها إثارة الرأى العام وإتلاف المنشآت بحيث تكلف الحكومة نفقات كبيرة، وتم جمع الأموال لأعمال الجمعية، التي كان مقرها شارع عبدالدايم بعابدين ومنه خرجت جميع المنشورات السرية ضد الاحتلال، وأدت المنشورات مهمة الصحافة المعارضة للاحتلال، لأن قلم الرقيب كان يمنع الأخبار المعارضة للإنجليز، وكانت جمعية «اليد السوداء» ترسل خطابات التهديد إلى السياسيين الرجعيين، حيث وصل إلى وهبة باشا خطاب تهديد مكتوب بالحبر الأحمر، وعليه علامة «اليد السوداء» ومدفع وكلمة الفدائيين.
أما الجمعية الثانية فهى «الدفاع الوطنى»، وكان أكثر أعضائها من «اليد السوداء» وغرضها إثارة الرأى العام ضد الحكومة، وتحريض الشعب على ارتكاب الجرائم ضد السلطة العسكرية، حتى القتل.
والجمعية الثالثة سُميت «اللجنة المستعجلة» وهدفها إثارة الرأى العام، وكانت تتلقى المساعدة المالية من عبدالرحمن فهمى بك، ورأسها حسن نافع وإبراهيم عبدالهادى.
الجمعية الرابعة هي «المصرى الحر»، ودعمها ماليًا عبدالرحمن فهمى أيضًا، وذكر المؤرخ عبدالرحمن الرافعى أنها كانت تصدر جريدة سرية باسم «المصرى الحر» ولها مطبعة سرية خاصة.
الجمعية الخامسة «الشعلة» ورأسها مرقس حنا بك ونجيب باشا غالى، وبعد ذلك عادت جمعية «المدارس العليا» للظهور مرة أخرى، وكان أغلب أعضائها من الطلبة، وضبطت فيها ورقة تتضمن قانون هذه الجمعية الذي يعتمد على العمل السرى، وأن يعمل الأعضاء على إصدار المنشورات والحث على الإضراب، وأن الجمعية مستمرة إلى أن يخرج آخر عسكرى إنجليزى من مصر، ومن أعمالها السعى إلى الاطلاع على أسرار الحكومى، وتهديد الخونة، وكانت الجمعية تدون كشفًا بأسماء التجار الإنجليز بهدف مقاطعتهم، حيث كانت مقاطعة التجارة الإنجليزية من بعض صيحات الثورة. وكانت هناك جمعية «مجلس العشرة والخمسين» وجمعية «الانتقام» التي تألفت عقب عودة لجنة ملنر 1920، وقد قسمت هذه الجمعية إلى 3 أقسام بعد حادثة شفيق باشا في 22 فبراير من نفس العام، القسم الأول خاص بتوزيع الأخبار وكان يستمدها من سالم بك زكى، والقسم الثانى قسم المسدسات وكان يضم أنواعًا كثيرة من المسدسات، ومنها أمريكى الصنع والآخر الجبل الأسود، وكان الأعضاء يستوردون الأسلحة من شخص يدعى أحمد أبوعلام، والقسم الثالث هو قسم القنابل برئاسة حسنى الشنتنتاوى، ومعه حلمى الجيار، وكانت تصنع في عزبة بالقرب من الجيزة، وتؤخذ من «ذهبية» حسن بك عز العرب.
وكان نظام هذه الجمعيات يسمح للعضو فيها، بأن يكون عضوًا في جمعيات أخرى، فكان أكثر أعضاء لجنة الدفاع من أعضاء «اليد السوداء»، ولم يكن عمل أعضائها مقصورًا على الأعمال السرية فقط، فقد كان الأعضاء الموهوبون في الخطابة يذهبون إلى الأزهر والكنائس، لكى يخطبوا فيها مثل محمد لطفى المسمى «قعيد كرسى الخطابة بالأزهر».
إلا أن الحقائق التي سجلها عبدالفتاح عنايت في كتابه «قصة كفاح» تجعلنا مشدوهين، أمام رجال في عمر الشباب غامروا بحياتهم من أجل هدف واحد، هو إخراج المحتل الغاصب، ويسرد كيف تم تأسيس جمعية «اليد السوداء» بأنه إثر نفى سعد باشا ورفاقه للمرة الثانية إلى جزيرة سيشل، عقد العزم على إنشاء جبهة فدائية منظمة ظلت تروع البلاد بأعنف حركة مقاومة في الثورة المصرية على يد أعضاء الجمعية التي استطاعت أن تقتص من الإنجليز والوزارات في الشوارع والميادين، ردًا على اغتيال الاحتلال لشباب مصر وشيوخها ونسائها في المظاهرات المختلفة.
ومن أشهر أعمال تلك الجمعية قتل «مستر براون» المراقب العام لوزارة المعارف، و«مستر كيف» وكيل حكمدار القاهرة و«مستر بيجوت» مدير مالية الجيش الإنجليزى، ويواصل «عبدالفتاح» سرد الرؤوس البريطانية التي تتساقط على أيديهم، والأسباب التي دفعتهم لاختيار ضحاياهم، حتى اتجهت الفكرة إلى السير «لى ستاك» سردار الجيش المصرى 1924، وكان لمصرع السردار دوى هائل. وكان أعضاء الجمعية على قدر كبير من التمويه عقب ارتكاب كل حادث، ونجحوا في الإفلات من الشبهات عقب ارتكاب أكبر الحوادث، وجاءت النهاية عقب مقتل السير «لى ستاك»، وأعلنت وزارة الداخلية عن 10 آلاف جنيه لمن يدل على أفراد التنظيم، حتى تقدم نجيب الهلباوى بأسماء بعض الأعضاء، وتوالى القبض على الأعضاء وحكم على شفيق منصور ومحمود إسماعيل وعبدالحميد عنايت. وغيرهم بالإعدام شنقًا، فيما كان نصيب عبدالفتاح عنايت الأشغال الشاقة. ومما لاشك فيه، أن هذه الجمعيات السرية كان لها أثرها في تشكيل أسس الحركة الوطنية، حيث بسطت سيطرتها على الحياة السياسية بشكل لا مثيل له.