اطلعوا بره نريد الحياة.. غزة تنفجر غضبًا في وجه حماس | فيديو وصور

شهدت شوارع غزة الثلاثاء واحدة من أضخم التظاهرات الشعبية منذ سنوات، حيث خرج الآلاف من أهالي القطاع في احتجاجات غاضبة تطالب بإسقاط حكم حماس وطردها من غزة. المظاهرات، التي تزامنت مع تدهور الأوضاع المعيشية وتزايد الضغوط الاقتصادية، عكست مشاعر الإحباط والغضب التي تكمن في قلوب كثير من المواطنين الذين كانوا يرفعون شعارات قوية تعكس معاناتهم وتطلعاتهم نحو غدٍ أفضل.
وانتشرت رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى 9 احتجاجات ضد "حماس" في أنحاء غزة، الأربعاء، حيث قال منظمو الاحتجاجات في الرسالة: "يجب أن تصل أصواتنا إلى كل الجواسيس الذين باعوا دمنا"، وتابعوا: "ليسمعوا صوتكم، وليعلموا أن غزة ليست صامتة، وأن هناك شعبًا لن يقبل بالإبادة"،
وتأتي الاحتجاجات بعد أن تجاوز عدد القتلى في غزة 50 ألفا، الأحد، وفقا لوزارة الصحة في القطاع، مع عدم وجود نهاية في الأفق.
وفرق ملثمون من حماس، بعضهم مسلح وآخرون يحملون هراوات، المتظاهرين بالقوة، واعتدوا على عدد منهم.
المسيرات التي نقلتها حسابات إلكترونية كثيرة لفلسطينيين في غزة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ساعات من أوامر إخلاء إسرائيلية لأهالي بيت لاهيا. في حين حمَّل مشاركون في المظاهرات «حماس» المسؤولية عن أوامر الإخلاء، على خلفية إطلاق عناصرها صواريخ من مناطق قريبة من البلدة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.
ورفع المشاركون في المسيرة لافتات كُتب عليها: «دماء أطفالنا ليست رخيصة... بدنا نعيش بسلام وأمان... أوقفوا شلال الدماء»، وغيرها من الشعارات التي تطالب بشكل أساسي بوقف الحرب على القطاع واستهداف المدنيين، في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية.
ولم يكن بعيدًا عن المسيرة إطلاق هتافات من قبل بعض الشباب المشاركين فيها ضد حركة «حماس»، مرددين شعارات مثل: «حماس برا برا»، في حين هاجم بعضهم الحركة وقائدها يحيى السنوار الذي قتل على يد قوات إسرائيلية في اشتباكات برفح في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2024.
وجابت المسيرة شوارع رئيسية، وتوقفت بشكل أساسي عند «دوار زايد» على بُعد أمتار من مستشفى الأندونيسي، الذي تعرض لهجمات إسرائيلية كثيرة خلال الحرب على القطاع.
واستنكر مشاركون استمرار عمليات إطلاق الصواريخ تجاه المستوطنات الإسرائيلية، عادّين إياها سببًا في إصدار أوامر الإخلاء الإسرائيلية للسكان الذين عانوا من رحلات نزوح متكررة على مدار 15 شهرًا.
ودعا المتحدث باسم حركة فتح المتواجد في قطاع غزة، منذر الحايك، حركة حماس إلى "الاستماعِ لصوت الشعب"، بتنحيها عن المشهد الحكومي في قطاع غزة، لتمكين السلطة الوطنية ومنظمة التحرير من القيام بمسؤولياتهما في القطاع، وفق قوله.
وشدد الحايك، على أن وجود حركة "حماس أصبح خطيرا على القضية الفلسطينية، وأن عليها مراجعة حساباتها وأن تستمتع إلى كل الأصوات التي خرجت في قطاع غزة، من أجل إنقاذ أبناء الشعب المٌدمر في القطاع".
غضب يخرج من الأعماق
"نريد غزة حرة"، "الشعب يريد إسقاط حماس"، "حماس ارحلي""حماس تطلع برا"، هتافات خرجت من حناجر المتظاهرين في الشوارع الضيقة لمدينة غزة، تتردد في الأفق وكأنها صرخات لآلام عميقة. هذه المظاهرات لم تكن مجرد حركة ضد حماس كحزب، بل كانت تعبيرًا عن اليأس من الحياة اليومية التي يعيشها سكان القطاع، الذين يعانون من الانقطاع المتكرر للكهرباء، والمياه الملوثة، ونقص حاد في الأدوية، وقسوة الحصار.
في وسط الحشود، كان هناك شعور عام أن الأمل في التغيير بات على الأبواب. "أردنا أن نعيش بكرامة، ولكننا أصبحنا أسرى في سجوننا"، هكذا قال أحد الشباب الذين شاركوا في الاحتجاجات. وأضاف وهو يلوح بيده: "منذ سنوات ونحن نعيش في الظلام، ليس فقط في الكهرباء، بل في الحياة نفسها".
لحظة المواجهة
بينما استمرت التظاهرات في مسيرتها عبر الشوارع، تصاعدت التوترات في بعض المواقع حيث حاولت قوات الأمن التابعة لحركة حماس تفريق المحتجين باستخدام الغاز المسيل للدموع. إلا أن هذا لم يثني المحتجين عن الاستمرار في ترديد شعاراتهم التي عبرت عن عمق معاناتهم، مثل "الحرية لنا"، "إرحلوا عن غزة، اتركوا لنا الحياة".
في زاوية من الزوايا المظلمة لمدينة غزة، اجتمع مجموعة من الشباب تحت لافتة كتب عليها "نريد حكومتنا". تحدث أحدهم قائلًا: "حماس تسيطر على كل شيء، وتدير غزة وكأنها ملك خاص. لكننا شعب يعاني من الجوع والمرض، ويجب أن يكون لنا حق في التغيير".
الأسباب وراء الغضب
العديد من المشاركين في التظاهرات شددوا على أن الوضع الاقتصادي والمعيشي أصبح لا يُطاق. "نحن نعيش من دون أمل، من دون مستقبل. الشباب يهربون من غزة بحثًا عن حياة أفضل، والآباء يتساءلون عن مصير أبنائهم في هذا الجحيم"، تقول مريم، وهي أم لثلاثة أطفال. وأضافت بصوت مملوء بالدموع: "أريد أن أرى طفلي يكبر في بيئة أفضل، لا في ظل الظلام والقيود".
وأثناء مرور المتظاهرين بالقرب من مراكز حيوية في المدينة، رفعوا لافتات تحمل رسائل قوية ضد الحركة، منها "غزة ليست مزرعة"، و"نريد مستقبل لأطفالنا". كانت هذه الشعارات تعبيرًا صادقًا عن رغبة المواطنين في حياة أفضل بعيدة عن السيطرة المشددة والحصار المستمر.
صراع داخلي، غضب خارجي
ومع أن هذه المظاهرات كانت تعبيرًا عن حالة الاحتقان المتزايدة داخل القطاع، إلا أن بعض المحللين يرون أن ما يحدث هو بمثابة تفريغ للغضب الشعبي الذي تراكم عبر السنوات بسبب السياسات التي تتبعها حركة حماس. يقول الدكتور سعيد أبو يوسف، الأكاديمي المتخصص في الشأن الفلسطيني: "غزة تعيش في ظل حصار خانق، والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لا تزداد إلا سوءًا. بينما حركة حماس تركز على أهدافها السياسية، يغرق الناس في معاناتهم اليومية. هذه الاحتجاجات ليست فقط ضد حماس، بل هي ضد الفقر والظلم."
موقف حماس وردود الفعل
من جانبها، لم تصدر حركة حماس أي تصريح رسمي بشأن المظاهرات فور حدوثها، إلا أن مصادر محلية أفادت بأنها بدأت تحشد قوات الأمن في بعض الأماكن لتهدئة الوضع. حماس، التي لطالما قدمت نفسها كحامية لغزة في مواجهة الاحتلال، تجد نفسها اليوم تحت ضغوط شعبية هائلة. وقد عبر بعض قادتها عن رفضهم للتظاهرات، مشددين على أن الأمن والاستقرار لن يتحققا من خلال العنف، بل من خلال الوحدة الداخلية.
وفي محاولات لتطويق الغضب الشعبي، خرجت وسائل إعلام قريبة من حماس ببعض التصريحات التي تدعو إلى "الحفاظ على السلم الأهلي" وعدم السماح لأي جهة بزعزعة الأمن في القطاع.
أفق المستقبل
لكن المظاهرات تمثل بداية لمرحلة جديدة في غزة، ربما ستُحدث تغييرًا في المشهد السياسي المعقد. مع ذلك، فإن الكثير من الأسئلة تظل عالقة: هل ستؤدي هذه الاحتجاجات إلى تغييرات حقيقية في السلطة الحاكمة في غزة؟ أم أنها ستكون مجرد فورة غضب ستنتهي بسرعة؟
وبينما تلوح في الأفق آمال بتحقيق تغيير ملموس، يشعر الكثيرون أن الطريق إلى تحقيق حياة أفضل طويل ويحتاج إلى تضامن حقيقي وجهود جماعية من كافة الفصائل الفلسطينية، بعيدًا عن التصعيد والعنف.
في النهاية، تبقى غزة كما هي: مدينة مليئة بالأحلام والأوجاع، تخرج من بين جنباتها كل يوم حكايات من الألم، لكنها أيضًا تأمل في غدٍ مشرق أكثر عدلًا وكرامة.







