أزمات وانقسامات .. دراسة جديدة تكشف عن الصدامات الداخلية في الإخوان
حالة من الخلخلة التنظيمية التي أصابت جماعة الإخوان، خلال الفترة الماضية بين قياداتها وأعضائها وبروز المشاكل البنيوية التي تعاني منها الحركة، وكان من ثمرة هذا الخلاف أن انشطرت الجماعة بحلول أواخر عام 2015، لجبهتين، وهو ما يظهر حجم الخلافات الكبيرة داخل التنظيم الإرهابي.
دراسة أعدها مركز "الإنذار المبكر" للدراسات السياسية والاستراتيجية، ذكرت إنه في ظل احتدام الخلاف بين قيادات الجبهتين تكشفت العديد من وقائع الفساد المالي والإداري داخل “الإخوان”، ويبدو أن ذلك كان في إطار سعي كل منهما لحشد الأتباع وكسب تأييد الأعضاء، عبر الطعن في خصومها، كما لجأت جبهة القيادات التاريخية لاستغلال سيطرتها على الجوانب الإدارية والمالية.
وأوضحت الدراسة إنه مرت سنوات 2013، و2014 على جماعة الإخوان وهي في حالة انهماك تشغيلي، وسعي لإعادة لملمة أوراقها المبعثرة واستعادة الاتصالات التنظيمية بالقيادة العليا ممثلة في أعضاء مكتب الإرشاد، وأسفرت تلك الجهود عن سد الفراغ القيادي الذي خلفته الضربات المركزة التي قامت بها أجهزة الأمن المصرية، وترميم الهيكل الإداري الإخواني على مستوى المحافظات، إضافةً لانتخاب لجنة عليا برئاسة عضو مكتب الإرشاد، آنذاك، محمد كمال، لتتولى إدارة شؤونها كبديل مؤقت لمكتب الإرشاد (الهيئة التنفيذية العليا).
ولفتت الدراسة إنه لجأت قيادات جبهة محمود عزت، المتحكمة فعليا في جماعة الإخوان، لاتباع عدة تكتيكات تنظيمية لحسم الخلاف لصالحها، مستغلةً سيطرتها على مقاليد الأمور ومسارات تمويل الإخوان، ويمكن ملاحظة 5 آليات رئيسية اعتمدتها تلك القيادة لإخضاع معارضيها، وهيخداع عموم الصف الإخواني، والتلاعب بأعضاء مجلس الشورى العام لتمرير قرارات محمود عزت.
ورفضت القيادات الاستماع لمقترحات شباب الإخوان حول الأزمة الداخلية، كما عمدت لطرد المخالفين لها من الشقق السكنية التي تستأجرها وقطع الراتب الشهري الذي كان يدفع لهم، وسحب جوزات سفرهم الخاصة، والتجسس عليهم عبر تجنيد جواسيس في مقرات إقاماتهم، إضافة للتعدي على بعضهم بالسب والضرب، وتعزيزهم بفرض غرامات مالية كبيرة، فضلًا عن إبلاغ الأجهزة الأمنية في دول الملاذات عنهم، وبالنظر لأن هؤلاء الشباب كانوا مطلوبين للأجهزة الأمنية في مصر لتورطهم في أعمال العنف، فلم يكن أمامهم سوى الإذعان الاضطراري للقيادات لتجنب تهمة “شق الصف” والتي يعقبها الطرد، أو الانشقاق عن الجماعة والبحث عن أي عمل لكسب قوتهم.
وأشارت الدراسة إنه دفعت القواعد الإخوانية التنظيمية وعلى رأسها الشباب الجزء الأكبر من فاتورة الخلاف الداخلي، في ظل إصرار القيادات على التماسك بمناصبها ورفضها اتخاذ أي خطوة في سبيل حل الأزمة، حفاظًا على أوضاعها، وتمييزها بين الأعضاء في ملف الإعاشة، وساهمت العوامل السابقة إضافة لتَكشُف وقائع فساد عديدة، في خلق حالة من التململ والغضب الداخلي الذي ظهر بشكل واضح بعد أن كان مكبوتًا لفترة طويلة، وأثر ذلك على التماسك التنظيمي للحركة بشكل كبير (حوالي 70% من أعضاء الإخوان تأثروا سلبًا، على المستويين التنظيمي والنفسي، بوقائع الفساد المالي والإداري).
واختتمت الدراسة أن ظاهرة الفساد التنظيمي بشقيه المالي والإداري ألقت بظلال ثقيلة على جماعة الإخوان التي تعيش واحدة من أسوأ فتراتها على الإطلاق، وتسببت في تنامي حالة الغليان والتوتر الداخلي في أوساط أعضائها وشبابها، وفقدان قطاعات كبيرة منهم الإيمان بفكرة العمل داخلها، أو جدوى الاستراتيجيات والتكتيكات التي تتبعها، وتسببت تلك الوقائع في انهيار النموذج الإخواني المثالي الذي كان حلمًا غائمًا يداعب مخيال عموم الصف الإخواني على مدار 92 عامًا، وفشلت قيادة الإخوان العليا في احتواء الغضب الداخلي لقواعدها التنظيمية، مع أنها اتبعت مقاربة براجماتية تسكينية لنفي تلك الوقائع، والطعن في كاشفيها عبر اللجان الإلكترونية التي يديرها أعضاء في الجماعة بتنسيق مباشر مع إبراهيم منير، ومحمود حسين (الأمين العام سابقًا، وعضو لجنة إدارة الإخوان حاليا).
وأكدت الدراسة أنه مع أن وقائع الفساد المالي والإداري أدت لأكبر انقسام هيكلي في تاريخ الإخوان، وتشكيل جماعتين متوازيتين تدعي كل منهما أنها التجسيد الحقيقي لفكر الجماعة، إلا أنه من غير المتوقع أن تؤدي لانشقاقات واسعة داخل جبهة القيادات التاريخية (محمود عزت)، التي تتحكم فعليًا في نحو 80% من الإخوان، لأن طبيعة الأعضاء المنتمين لها وسياقاتهم الاجتماعية والتنظيمية تحول بينهم وبين الإقدام على تلك الخطوة، كما أن بعضهم يسعى للحفاظ على مصالحه الذاتية عبر تقديم فروض الطاعة والولاء للقيادة العليا، وعلى ما يبدو فستظل الأزمة المركبة التي تعشيها جماعة الإخوان، منذ سنوات، موجودة حتى إشعار آخر في ظل عدم وجود أي أفق يلوح لحلها، لكن القيادة العليا ستسعى للقفز عليها بين الحين والحين، عبر تحشيد الأعضاء للصدام مع الدولة المصرية، باعتباره الكارت الوحيد والأخير الذي لم يفقد زخمه وفاعليته خلال السنوات الماضية، بسبب طغيان فكرة الثأر والانتقام وسيطرتها على العقل الاستراتيجي للإخوان.