الفساد السياسي في ليبيا .. دراسة تكشف الأسباب والآثار المترتبة عليه وآليات المكافحة
تعتبر ظاهرة الفساد السياسي ظاهرة عامة منتشرة في كل دول العالم دون استثناء، ولكن بدرجات متفاوتة، حيث تتفاوت مستويات الفساد السياسي من دولة إلى أخرى، وذلك بحسب النظام السياسي القائم والنمو الاقتصادي، والثقافة المجتمعية، إضافة إلى الإرادة السياسية في مكافحة الفساد.
وذكرت دراسة صادرة عن مركز فاروس للدراسات ان الفساد السياسي من القضايا الأساسية والخطيرة التي تعاني منها ليبيا، ويمكن الزعم أن الفساد السياسي أخطر هذه القضايا على الإطلاق في ليبيا، حيث يمكن اعتباره من الأسباب الرئيسية التي تسبب الفقر والجهل والإرهاب، وحتى تفشي الأمراض المستوطنة، وعادة ما يقع الفساد السياسي في أعلى الهرم في النظام السياسي، حيث يكون السياسيون المخول لهم صنع القوانين وإنفاذها، هم أنفسهم الفاسدين .
وتابعت الدراسة أنه في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية (ليبيا نموذجًا)، يوفر التحول إلى النظام الديمقراطي محفزات جديدة للفساد، خاصة مع تصاعد الحملات الانتخابية، وفي الصراع الجديد من أجل المناصب السيادية والخدمة العامة، وذلك فإن التحول الديمقراطي جعل الأشياء أسوأ في ليبيا، فعند الإطاحة بالنظام السلطوي، وتصاعد رغبة الشعب في التمتع بحريتهم، يتضمن عادة هذا التحول عمليات النهب واللصوصية، وعدم دفع الضرائب والجمارك ضمن حريتهم الجديدة، فبعد سقوط الأنظمة السلطوية يتوسع الفساد بطريقة غير منضبطة ولا مركزية.
وأوضحت الدراسة أنه بعد مرور عشر سنوات على الانتفاضة في فبراير 2011 التي كانت إحدى أسبابها محاربة الفساد في النظام السابق، ووفق تقارير محلية ودولية يتضح التنامي المرعب للفساد والعبث بمقدرات الدولة الليبية، لقد استفحل الفساد في ليبيا بسبب استخدام القوة والتهديد أو المحاباة والمحسوبية لتكميم الأفواه وشراء الذمم وزرع الولاءات، أو القناعات الذاتية المبنية على وهم بأحقية (المنتصر/ المحرر) في الاستيلاء على ممتلكات الدولة لتحقيق مصالح ذاتية، ولقد استشرت هذه السلوكيات وأصبحت تحدي كبير للتنمية الاقتصادية والتحول الديمقراطي.
ورصدت الدراسة أسباب استمرار الفساد في ليبيا وارتفاع مستوياته إلى درجة لا يمكن التحكم فيها:-
الانقسام المؤسساتي، والصراع بين الشرعيات الموازية.
انتشار المجموعات المسلحة بالقرب من مركز إصدار القرار.
غياب الدور الحقيقي لمؤسسات الدولة.
تضخم المنتفعين من الفساد السياسي (نخبة حاكمة، رجال أعمال، كبار التجار، الميليشيات المسلحة … إلخ)، مما يؤدي إلى صعوبة القضاء على الفساد في الوقت الحالي، واستمرار وزيادة مستوياته في المستقبل، حيث إن هؤلاء المنتفعين يريدون الحفاظ على النظام القائم بغرض الاستمرار في تحقيق مصالحهم الخاصة.
ضعف الإطارين التشريعي والمؤسسي في مكافحة الفساد، لاسيما من الناحية التنفيذية، مما شأنه أن يُعثر جهود مكافحة الفساد، وبالتالي استمرار ارتفاع مستويات الفساد في ظل عدم وجود رادع قوي قادر على القضاء عليه.
التحول السياسي في ليبيا أدى إلى الأخذ بنظام التعددية الحزبية والانتخابات للوصول إلى السلطة، وهذا التحول السياسي يحتاج إلى ثروات هائلة للوصول إلى السلطة. وفي هذا التحول؛ يتم السيطرة على موارد الدولة بطرق مشروعة وغير مشروعة للحصول على الأموال اللازمة للوصول إلى السلطة.
وأكدت الدراسة أنه ساهم الفساد الذي اخترق كل مؤسسات الدولة في تعميق الأزمة وأثر ذلك بشكل كبير على عملية التنمية الاقتصادية والتحول للنظام الديمقراطي، وجعل ليبيا على حافة الانهيار الاقتصادي، وفي أسفل الترتيب لمؤشرات الشفافية في العالم.