كراسات تنوير 22 وعدد خاص بعنوان "حسن حنفي"
غيّب الموت، الخميس 21 أكتوبر 2021، المفكر المصري حسن حنفي، عن عمر ناهز 86 عامًا، وهو أحد أبرز منظري تيار اليسار الإسلامي، وتيار علم الاستغراب، وله العديد من الإسهامات الفكرية في تطور الفكر العربي الفلسفي، وصاحب مشروع فلسفي متكامل.
ولد حسن حنفي بالقاهرة عام 1935، وحصَلَ على ليسانسِ الآداب بقسم الفلسفة عام 1956، ثم سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون، عن رسالتين، قام بترجمتهما إلى العربية ونشرهما في عام 2006 تحت عنوان: "تأويل الظاهريات" و"ظاهريات التأويل"، وقضى في إعدادهما حوالي عشر سنوات.
كما عمل مستشارًا علميًا في جامعة الأمم المتحدة بطوكيو خلال الفترة من (1985-1987)، وكان نائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية، والسكرتير العام للجمعية الفلسفية المصرية.
ورأس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، ودرَّسَ بعدد من الجامعات العربية والأجنبية؛ في المغرب وتونس والجزائر وألمانيا وأمريكا واليابان
ومساهمة من مركز تنوير 22 في تعريف القارئ بالمفكر العظيم حسن حنفي نقدم هذه الكراسة كهدية منه للقارئ علها تنير الطريق أو تكون سببا في اتساع رقعة الضوء في حياتنا.
يقول حنفي:
إذا كان الدافع نحو المشروع هو تجاوز الفكر التوفيقي والأداة هي المناهج الحديثة فإن الهدف هو التوصل إلى بدائل "نظرية" جديدة تكون مؤسسة في التراث ولكنها في نفس الوقت تعطينا مساحة أوسع أو إمكانيات أكبر للتحول نحو الحداثة، يبين ذلك كما يلي،
مهمة "التراث والتجديد" إذن هي إعادة كل الاحتمالات القديمة بل ووضع احتمالات جديدة، واختيار أنسبها لحاجات العصر، إذ لا يوجد مقياس صوب وخطأ نظري للحكم عليها بل لا يوجد إلا مقياس عملي. فالاختيار المنتج الفعال المجيب لمطالب العصر هو الاختيار المطلوب.
ولا يعني ذلك أن باقي الاختيارات خاطئة بل يعني أنها تظل تفسيرات محتملة لظروف أخرى، وعصور أخرى ولت أو ما زالت قادمة. وهذا لا يعني أن أصول الدين واحدة في كل زمان ومكان لا تتغير وإلا خلطنا بين الأصول والفروع، بين الدين والفقه، فالتوحيد ثابت ولكن تختلف أوجه فهمه لحاجات العصر، وحرية الإنسان وعقله ومسؤوليته ثابتة أيضا ولكن تختلف طرق ممارستها من عصر إلى عصر، ومن بيئة إلى بيئة، ومن وضع اجتماعي إلى وضع اجتماعي آخر. والتصور الدينامي للأصول هو أيضا احتمال مع التصور الثابت لها، والتصور العملي للعقائد هو أيضا احتمال أمام التصور النظري لها.
ومن ثم يكون اتهام حضارتنا بأنها حضارة وحدة لا تعدد، وبأنها حضارة اتفاق لا اختلاف اتهاما باطلا لأن أهم ما يميز تراثنا القديم هو أنه أعطى مجموعة من الاحتمالات المتعددة تطايرت من أجلها الرقاب حين الاختيار بينها. فالاجتهاد ليس فقط منهجا في أصول الفقه بل هو أيضا منهج في أصول الدين، وليست وظيفته فقط هي القياس في الأحكام، وهي أفعال السلوك، بل أيضا في اختيار النظريات وأنسبها طبقا لحاجات العصر، فالاجتهاد يقوم بالتأسيس العلمي في علم أصول الفقه طبقا لقدرات الفرد ويقوم بالتأسيس النظري في علم أصول الدين طبقا لمتطلبات العصر.