قد يكون أغنى رجل في العالم.. كيف يخفي بوتين ثروته؟
على تل مُطل على البحر الأسود في منطقة مترامية الأطراف في روسيا، يقف قصر ضخم تبلغ تكلفته حوالي مليار دولار، ينظر إليه منتقدو الكرملين باعتباره شعار لفساد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قالت شبكة سي إن إن الإخبارية إن القصر الضخم الذي تبلغ مساحته حوالي ١٩٠ ألف قدم مربع، ومُلقب بقصر بوتين، بُني لاستخدام الرئيس الشخصي بعد تمويل عملية بناؤه بأموال المليارديرات الأوليجاريش، بعد السماح لهم بتكوين ثروات طائلة بأعمال فساد طالما سيتقاسمون الثروة معه.
يحتوي القصر، حسب فيلم وثائقي أنتجته جماعة مكافحة الفساد التي يقودها زعيم المعارضة الروسي المعتقل أليكسي نافالني، على مدرج خاص به، وحلبة للتزلج تحت الأرض وميناء بحري خاص، علاوة على منطقة حظر طيران في السماء الموجودة أعلاه، ومنطقة حظر الملاحة البحرية في المياه المحيطة به.
ورغم فخامة المبنى، يتوقع نيت سيبلي، الخبير في الفساد الروسي ومقدم المشورة لأعضاء الكونجرس، أن بوتين لن يذهب إلى القصر مرة أخرى.
يرمز القصر الضخم إلى ما يراه سيبلي حقبة ماضية يرغب بوتين في تخطيها، والتي اعتمد فيها على ثروات الأوليغاريش في محاولة لعيش أسلوب حياة فاخر لا يستطيع تحمله بالاعتماد على راتبه الحكومي.
يعد التدفق النقدي، الهدايا، وحسن النية من بين الأمور الأخرى التي تفسر كيفية امتلاك بوتين لهذه الثروة الضخمة وكونه أحد أغنى الناس على كوكب الأرض، لاسيما وأنه يتقاضى راتبًا لا يتجاوز ١٤٠ ألف دولار في العام.
كما يُقال إنه يمتلك يختًا بقيمة ١٠٠ مليون دولار. وقال توم بورجيس، مؤلف كتاب "كليتوبيا" عن غسيل الأموال الدولي، إن بوتين مُستفيد من وجود تلك الممتلكات بغض النظر عن كونها تحمل اسمه أم لا، فكل الدائرة المقربة المحيطة به مدينة له.
وأضاف بورجيس:"يستطيع بوتين بإشارة منه، كما أظهر في الماضي، أن يأخذ كل شيء من الأثرياء المحيطين به، مهما بدوا مؤثرين ومهيمنين، فإنهم يعتمدون عليه في النهاية".
فعلى مدار ما يقرب من عقدين من الزمن وقبل أن يثير بوتين الغضب الدولي والعالمي بسبب غزو غير المبرر لأوكرانيا، قام الكرملين بنقل أغنى رجل في روسيا من طائرته الخاصة، واتهمه بارتكاب جرائم ضد الدولة.
جلس ميخائيل خودوركوفسكي، أحد أثرياء الأوليغارش الذي تقدّر ثروته بحوالي ١٥ مليار دولار في ذلك الوقت، في قفص داخل المحكمة وحوكم بعد إدانته بالتهرب الضريبي والاحتيال، وفي عام ٢٠١٣ عفا عنه بوتين، وهو يعيش منذ ذلك الحين في المنفى.
وبينما يُعتقد أن الرئيس الروسي حاول إخفاء ثروته بهذه الطرق في وقت سابق من حياته المهنية، إلا أنه الآن بات أقل اعتمادًا على الأثرياء، وأحاط نفسه عوضًا عن ذلك بالموالين للحكومة والجيش الذين يشاركونه أفكاره القومية المتشددة.
قال بعض المحللين والخبراء المختصين في الشؤون الروسية إن هذا التحول قد يجعل بوتين لا يشعر بتأثير قوي للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لمعاقبته على غزو بلاده لأوكرانيا.
على مدار السنوات الماضية، جمع العديد من أقرب المقربين لبوتين، بما في ذلك أصدقاء طفولته، وامرأة يُقال إنها عشيقته، وعازف تشيلو، ثروات هائلة خارج روسيا خلال فترة وجوده في السلطة، وفقًا للتسريبات التي كُشف عنها على مدار السنوات الماضية.
استطاع المقربون من بوتين تكوين ثروة طائلة بالاعتماد على شبكة معقدة من الشركات الوهمية والبنوك الخارجية، إذ يتم تحريك الحسابات عن بعد داخل بعضها البعض مثل الدمى الروسية المتداخلة، غير أن سلسلة من التسريبات كشفت عن عدد من الشركات التي تسهل إجراء هذه العمليات.
وحسب التسريبات، فإن الأصول المرتبطة بالدائرة المقربة من بوتين تتضمن شقة في مبنى فاخر في موناكو تطل على ميناء الإمارة.
اشترت شركة وهمية تحمل اسم "بروك فيل ديفولبمينت" الشقة في عام ٢٠٠٣ مقابل ٤.١ مليون دولار، وهي شركة مسجلة في جزر فيرجن البريطانية، وفق ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست.
وأظهرت الوثائق التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ونشرتها صحيفة الجارديان وواشنطن بوست أن المالكة الحقيقية للشركة تُدعى سفيتلانا كريفونوجيخ، وهي عاملة تنظيف في سانت بطرسبرج، ويُقال إنها كانت على علاقة عاطفية بالرئيس الروسي قبل عقدين من الزمن.
ووفقًا للوثائق، تم تسجيل الشركة بعد أسابيع فقط من انجاب كريفونوجيخ لطفلة، يُقال إنها بلغت من العمر ٢٨ عامًا.
وكانت بروكيت، مؤسسة إعلامية روسية مستقلة تم حظرها العام الماضي، قد ذكرت أن بوتين كان على علاقة بكريفونوجيخ في التسعينيات، قبل أن يصبح رئيسًا للبلاد، وأن ابنتها تحمل اسمًا يعني "ابنة فلاديمير".
بالإضافة إلى شقة موناكو الفخمة، تمتلك كريفونوجيخ أغلبية الحصص في منتجع للتزلج حيث يتوجه الرئيس الروسي لممارسة التزحلق، والعديد من الشقق الفاخرة الأخرى في سانت بطرسبرغ، وكذلك يخت فخم. حسبما نقلت الجارديان وواشنطن بوست.
مع ذلك، لا توضح الوثائق المسربة مصدر الثروات التي جمعتها الدائرة المقربة من بوتين، لكن في العديد من الحالات، تمكنت المؤسسات المالية المرتبطة بها من عقد صفقات حكومية مربحة.
ووفقًا لتقرير أصدره المجلس الأطلسي عام ٢٠٢٠، فإن روسيا تمتلك أكبر قدر من الثروة المخبأة في الملاذات الضريبية الخارجية، قدّرت بحوالي ٨٠٠ مليار دولار في عام ٢٠١٧.
ووفقًا لورقة بحثية صدرت عام ٢٠١٨، فإن ثروة روسيا الخارجية شكلت ما يصل إلى ٦٠ ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام ٢٠١٥.
يقول الخبراء إن بوتين ودائرته المتماسكة من الأوليغارشية يسيطرون بشكل مباشر على حوالي ربع هذه الأموال، والتي تشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي للولايات المتحدة، خاصة وأن تقرير روبرت مولر أوضح كيف تم استخدام الحسابات الخارجية الروسية للتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام ٢٠١٦.
في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن تشكيل فريق عمل مخصص لفرض العقوبات والقيود الاقتصادية الأخرى بهدف عزل روسيا عن الأسواق العالمية.
وحسب ما أعلنته وزارة العدل، فإن هذا الفريق لن يكون مسؤولا فقط عن محاسبة المسؤولين الروس والأوليجارشية، ولكنه أيضًا سيستهدف أولئك الذين يساعدون أي شخص أو جهة للقيام بأعمال غير قانونية.
قال جاري كالمان، مدير مكتب منظمة الشفافية الدولية في الولايات المتحدة، هي مجموعة مناصرة لمكافحة الفساد، إن تطبيق العقوبات لن يكون سهلًا.
قال كالمان:"إنه يصعب على أجهزة إنفاذ القانون محاولة تتبع الأموال، لأنه في مرحلة ما ستصطدم فعليًا بجدار، فلا يوجد وثائق ورقية".
ووفقًا للمجلس الأطلسي، فإن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مكانين مثاليين لحفظ كميات كبيرة من المال، وكلاهما يقبل وجود الشركات الوهمية المجهولة.
ووجد مجموعة من الباحثين الدوليين أنه يمكن تأسيس شركات وهمية في الولايات المتحدة في أقل من ساعة مقابل أقل من ٢٠٠ دولار، دون الحاجة إلى الكشف عن هوية مالكها أو من يتحكم فيها.
وعلى مدار عقود، استفادت شركات غربية، بنوك وشركات محاماة، من مساعدات الأوليغارشية الروس على إخفاء أموالهم، وتأسيس هياكل معقدة للشركات التي تجعل من المستحيل تقريبًا ربط الأصول والحسابات المصرفية للأفراد.
فيما يقول بعض مراقبي بوتين القدامى، إن الرئيس الروسي لم يعد يسعى وراء تكوين ثروة، ولكنه عوضًا عن ذلك يسعى إلى تعزيز سلطته.
قال جيل دوجيرتي، الرئيس السابق لمكتب سي إن إن في موسكو، إنه من الصعب معرفة ماذا يحدث داخل الكرملين، أو داخل عقل فلاديمير بوتين، ولكن يمكن القول إنه بات مقربًا أكثر فأكثر بمجموعة صغيرة جدًا من الناس، وغالبًا ما يكون أغلبهم من الجانب العسكري والاستخباراتي.
وأيده ستانيسلاف ماركوس، أستاذ إدارة الأعمال الدولية بجامعة ساوث كارولينا، والذي قال إنه في الوقت الحالي لا يصوت يعلو في الكرملين على صوت البنادق والأسلحة، فلم يعد اهتمام بوتين كله منصب على المال والأوليجاريشية.
بغض النظر عما إذا كانت الأولويات تغيرت في الكرملين، تقول ماريا بيفشيخ، رئيسة قسم التحقيقات في مؤسسة نافالني لمكافحة الفساد، إن القصر القريب من البحر الأسود والغزو الروسي لأوكرانيا، يظهران الطريقة التي يرى بها الرئيس الروسي نفسه، ويتعامل مع ذاته بأنه أكثر من مجرد مسؤول حكومي.
قالت بيفشيخ لشبكة سي إن إن، إن بوتين يرى نفسه قيصر، أو ملك. وتابعت:"لديه خطط ضخمة، ورؤية تساعده على أن يكون شخصية تاريخية، قوى جدًا، عظيمًا، مهمًا، ومن حوله يستثمرون المال من أجل تحقيق ما يحلم به".