ودعت أسرتها وقضت أيامها الأخيرة مع أخويها.. حكاية 3 أشقاء فرقتهم الغربة وجمعهم الموت
"الصالحون يشعرون بقرب الأجل ولا يخبرون أحبائهم" هذا لسان حال أهالي قرية أم الرزق بمركز كفر سعد، والذين شيعوا بالأمس جثامين أية أحمد عثمان وشقيقيها ومحمود وآلاء، أكبرهم كانت تنتظر عريسا جديدا تقدم لخطبتها، رحلوا تاركين ورائهم أب منهار وأفقدتها الصدمة القدرة على النطق.
قبل الرحيل
قبل أسبوع تحركت أية أحمد عثمان، المعيدة بكلية الصيدلة بجامعة الدلتا إلى محافظة شمال سيناء، قررت قضاء الأسبوع الثالث من الشهر الكريم مع أشقائها في السكن الخاص بهم قرب جامعة سيناء، حيث يدرس شقيقيها محمود 22 عامًا وألاء 19 عاما، بكلية طب أسنان شقيقها في الفرقة الرابع والأخت الصغرى بالفرقة الثانية.
ربما شعرت آية كغيرها من الأنقياء قبل وفاتهم بدنو الأجل، كانت تدرك ما لا تملك وهو العمر الذي سينقضي بعد أيام، وتدرك أيضا ما تملك وهو الوقت القليل المتبقي، فحصلت على موافقة بالإجازة من عملها معيدة بجامعة الدلتا التي تخرجت منها العام الماضي"هذا ماردده أصدقائها وزملائها وأهل بلدتها.
عريس جديد
اصطحبت معها مصحفًا وبعض أوراق الدراسة لمرحلة التمهيدي للماجستير، وقررت أن تقضي أيامها الأخيرة معهما بعدما فرقتهم الكليات وسنوات التعليم الجامعي، ودعت والديها وشقيقتها الأصغر عمرو طالب الثانوية العامة وغادرت منزل الأسرة بمدينة دمياط الجديدة.
كان اتفاق الأخوة الثلاثة أن يعودوا معا نهاية الأسبوع، أية ينتظرها التزام عائلي لا يمكن أن تغيب عنه وهي بطلته، عريس جديد يدق باباها حدد أهلة يوم الخميس للقاء والتعارف وقراءة الفاتحة.
قبل أكثر من 10 سنوات غادر والد الأطباء الثلاث قرية أم رزق مسقط رأسه وسافر إلى دولة الإمارات للعمل هناك، ليضمن لأطفاله حياة ومستقبل أفضل، عام ولحقت به زوجته وأطفالهم.
كبر الأطفال ودخلوا المدارس هناك، عام بعد عام يحققون مراكز متقدمة بين زملائهم، التفوق والذكاء والأخلاق كانت الصفات التي جمعت الثلاثة، حصلوا على الثانوية العامة من هناك، وقررت الأسرة أن يستكمل الأبناء تعليمهم في مصر.
تفوق وعبقرية
قبل 6 سنوات عادت آية بمفردها لتلتحق بكلية الصيدلة بجامعة الدلتا، قضت عامين مع جدتها في منزل العائلة بالقرية، ورغم غياب والديها واشقائها الذين كانوا في مرحلة الثانوية بالإمارات، إلا أنها حققت تفوق لازمها طوال 5 سنوات، شاركت في عدة مسابقات على مستوى الجامعات المصرية، منها مسابقة برنامج العباقرة "موسم الجامعات"، كل ذلك جعلها المرشحة بقوة لتصبح معيدة بعد تخرجها العام الماضي بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
أثناء سنوات دراسة أية، كان محمود حصل على الثانوية العامة، وعلى خطى شقيقته عاد على مصر، لكنه فضل الالتحاق بكلية طب الأسنان بجامعة سيناء، لم يطل بقاء محمود في الجامعة وحيدا فبعد عامين لحقت به شقيقته بنفس الكلية لتكون آلاء رفيقا ومؤنسا في أيام الدراسة، ويكون هو مرشدها ومعلمها الصغير بفارق سنوات الدراسة والخبرة التي اكتسبها.
الرحلة الأخيرة
تنتهي الدراسة في جامعة سيناء يوم الأربعاء من كل أسبوع، جهزت أية وآلاء الإفطار وعاونهما محمود، جمعوا ما يلزم في حقائبهم، كانوا متعجلين للعودة لبيت الأسرة في مدينة دمياط الجديدة، تغرب الشمس على مدينة العريش قبل أي مكان في مصر فكانوا الأسبق في تناول الإفطار، ساعدهم ذلك على التحرك سريعا واختصار الوقت.
قبل السفر عرض الأخ على صديقة محمود الكحلاوي مصطفى 20 سنه أن يرافقهم في رحلة العودة من سيناء، ليوفر عليه مشقة السفر في المواصلات والوقت، فاستجاب الأخير.
فرقهم التعليم وجمعهم القدر
انطلق الأشقاء بالسيارة، فقطعوا سيناء عرضا، سالكين طريق "العريش_ القنطرة شرق"، حتى دخلوا محافظة الإسماعيلية، كانوا في طريقهم إلى معدية القناة، إلا أن قدرهم الذي كتب قبل أن يولدوا انتهى هنا، فتعرضت السيارة لحادث عند قرية جلبانة التابعة لمركز القنطرة شرق لتسقط السيارة بمن فيها في ترعة الإسماعيلية.
نجاة رفيق الطريق
دقائق وصلت سيارات الإسعاف إلى مكان الحادث، خلال ساعات الليل تمكن رجال الإسعاف والإنقاذ النهري من انتشال جثامين الأشقاء الثلاث بينما نجا رفيق السفر من الموت ونقله المسعفين إلى مستشفى القنطرة المركزي لتلقي العلاج.
لم تمر ساعة حتى انتشر الخبر، ووصل إلى والد الشهداء الثلاث، هكذا احتسبهم الأب وأهل القرية والله حسيبهم، غادر رفقة بعض أقاربه يتوكأ عليهم من هول الصدمة، قلبه تأكله نار الحزن، وعقله يحاول الهرب ويخيل إليه أنه سيجد في أحدهم الروح والحياة.
نصيبا من الحزن
كان الحزن ممزوجا بالصدمة يكرس إحساس الفقد قد سرى في شوارع القرية مسقط رأس الأسرة، وسار في طرقات دمياط يطرق كل باب يوزع أهل البيت نصيبا من الحزن بقدر محبتهم للأشقاء الثلاث، يتشبث بعضهم بالصبر والآخرين انفلت رباط قلوبهم وعيونهم.
بينما كان والد الثلاثة ينهي الإجراءات المطلوبة لتسلم جثامين أبناءها الثلاث، كان مثواهم الأخير في مقابر القرية يبني بجوار مدافن العائلة، 3 عيون جديدة كانوا هم أول داخليها.
صراخ عمرو وبكاء الرجال
مشهد الجنازة كان مهيبا بقدر الحزن والصدمة، بين الدعاء بالرحمة للأشقاء، والصبر للأهل، كان بكاء عمرو الشقيق الأصغر يخترق الآذان "سبتوني لمين.. هعيش لوحدي ليه" يحاول الرجال من المشيعين كبح مشاعر الطفل، لكن خطين من الماء إنفجرا من عيونهم لجمت أفواههم فلا قدروا على تهدئته ولا جففوا دموعهم.
" نحتسبهم عند الله شهداء والله حسيبهم" يقول إسماعيل فريد من جيران الأسرة، يذكر أن الثلاثة كانوا متفوقين في دراستهم نابغين، توقع لهم أهل القرية أن يكونوا واجهة مشرفة لـ قرية ولمحافظة دمياط يوما ما.
اما الدكتور جمال عبد السميع أستاذ بجامعة المنصورة وأحد الجيران الأسرة، فيقول إن والد الثلاث تلقى الصدمة عقب صلاة التراويح أمس الأول الأربعاء، سافر إلى الإسماعيلية، استقبل جثماني آية ومحمود بعد انتشالهما من الماء، بينما خرج جثمان آلاء فجرا.