ذبيحتان مقابل طقم مواعين..أسرار مقتل الست اعتدال وابنتها
قلب مشبع بالحقد دون رحمة، عقل لا تدور داخله سوى أفكار غير سوية كانت عنوانًا لشاب عشريني طرق باب الجريمة؛ بحثًا عن حفنة عفنة من مال ملطخ بالدماء ظن أنها ستنتشله من ضائقة مالية ألمت به، فماذا حدث داخل عقار "الست اعتدال" فجر الثلاثاء الماضي؟.
على غير العادة لم تغادر سيدة خمسينية منزلها في وقت مبكر من الصباح لشراء طلبات البيت. غياب الابنة البارة بوالدتها المسنة أثار قلق الجيران لكن لسان حالهم "يمكن مش محتاجة تجيب حاجة النهاردة".
مع استمرار اختفاء الابنة والأم صاحبة الـ80 دبَّ الشك في نفوس قاطني العقار بل والشارع المتراص العقارات فقرروا التحرك. اتصلوا بابن العجوز لإخباره باختفاء والدته وأخته على أمل بمعرفته أية تفاصيل لكن الإجابة جاءت صادمة "ماعرفش حاجة عنهم.. هشوف".
هاتف الابن والدته وأخته وثمة شعور يراوده بأن الأمور ليست على ما يرام ارتفعت أسهمه بعدم تلقيه إجبابة من الاثنتين "الهاتف الذي طلبته غير متاح". بسرعة البرق بدل الابن ملابسه مهرولا إلى المنزل الذي ترعرع بين جدرانه فكانت الصدمة عنوان المشهد.
في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء عم الهدوء أروقة قسم شرطة المنيرة الغربية -حديث العهد- هدوء كذاك الذي يسبق العاصفة. دقائق معدودة تحركت بعدها قوة من القسم متجهة إلى شارع جلال القاضي إثر اكتشاف جريمة قتل خلفت جثتين.
بكاء تنخلع له القلوب لم يستطع الابن كبح جماحه، جلس بوضع القرفصاء على بعد أمتار من جثتي والدته وأخته بينما يتوافد رجال البحث الجنائية على مسرح الجريمة.
المعاينة الأولية التي أشرف عليها اللواء أحمد الوتيدي مدير المباحث الجنائية بينت ذبح اعتدال أحمد إبراهيم ٨٠ سنة وابنتها ووجود بعثرة في محتويات الشقة.
توجيهات سريعة من اللواء محمد الشرقاوي مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة بتشكيل فريق بحث بفرقة إمبابة بالتنسيق مع قطاع الأمن العام وإدارة المساعدات الفنية بالمديرية.
بخطوات مفعمة بالثقة وحس أمني تشكل بخبرات السنوات وصل العميد هاني شعراوي رئيس مباحث قطاع الشمال إلى مسرح الجريمة. أخذ يفحص أرجاء الشقة بدقة مدونًا ملاحظاته لاسيما طريقة دخول المتهم الشقة -لشخص اعتاد الدلوف دون عنف- إضافة إلى وضعية الجثتين وجفاف بركة الدماء ما يشير إلى وقوع الجريمة قبل أيام.
أمام العقار الذي شهد الفصل الأخير في حياة "الست اعتدال وابنتها حرص العقيد محمد ربيع مفتش مباحث فرقة إمبابة على تتبع أولى خيوط الجريمة برصد حركة الدخول والخروج بالعقار وتفريغ الكاميرات المطلة على المدخل وإعداد قائمة بآخر المرتددين مع توجيهات لوكيله المقدم محمد مختار بسماع أقوال الجيران.
خلية نحل شكلها ضباط وحدة مباحث المنيرة الغربية بقيادة المقدم أحمد عصام ومعاونه الرائد عصام الشناوي في سباق مع الزمن لجمع المعلومات بتنشيط مصادر المعلومات السرية ورصد آخر مشاهدة للجاني وصولا إلى رؤية شاب في توقيت متزامن لوقوع الجريمة.
بخبرات السنوات ومن قبلها حس أمني لطالما عُرف به وجه العميد هاني شعراوي بتكثيف التحريات حول المشتبه به الرئيسي وثمة شئ يدور في خلده بأنهم باتوا على بعد خطوات من تحديد هوية القاتل.
تحريات العقيد محمد ربيع توصلت إلى أن الشاب يعمل جزارًا استأجر شقة -بالطابق الأسفل لضحيتيه- كان يقيم بها مع أسرته قبل أن يغادر منذ 6 شهور عائدًا إلى مسقط رأسه بمحافظة القليوبية، ومروره بأزمة مالية مؤخرًا.
بالعودة إلى قسم شرطة المنيرة، جلس العميد هاني شعراوي يجمع خيوط الجريمة مكونة صورة واضحة المعالم. اكتمل نصاب مثلث الجريمة (القاتل - الضحية - السبب) فجاءت الخطوة التالية بضبطه عقب استصدار إذن من النيابة العامة.
مع غروب شمس الثلاثاء أسدل رجال البحث الجنائي الستار على جريمة ستظل عالقة في أذهان أهالي المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية لكن ماذا عن كواليس الواقعة؟.
بهدوء وثقة يحسدا عليهما، وقف الشاب العشريني أمام رجال التحقيق يسرد عانصر خطته الشيطانية مستعيدًا شريط ذكرياته مع العجوز وابنتها "كانت ست طيبة بس الشيطان شاطر".
ضائقة مالية اختمرت معها فكرة الجريمة داخل عقل الجزار الشاب. استغل علمه بثراء العجوز وامتلاكها 3 عقارات إضافة إلى العقار محل سكنها ودرايته بمعاد مغادرة ابنتها البيت في الصباح الباكر لشراء احتياجات المنزل ليقرر سرقتها بل وقتلهما إذا لزم الأمر "مع سبق الإرار والترصد".
على مدار عدة أيام عاين الجار الخائن مسرح جريمته للتأكد من عدم تغير شئ منذ مغادرته الشقة. حدد فجر السبت لتكون ساعة الصفر وصعد بهدوء دون لفت انتباه أحد مستغلا هدوء أطبق على الشارع.
بخف يد تجاوز ذو الـ28 ربيعًا الباب الحديدي ومن بعده الخشبي ليجد الأم أمامه فباغتها بطعنات آخرها ذبحًا قبل أن يلحق بها ابنتها بذات الطريقة. أخذ يبحث في جنبات البيت غير عابئ بجثتي القتيلتين وسط بركة الدماء واستولى على مبلغ مالي وأسطوانة بوتاجاز وبعض أطقم المائدة -أرشد عنها وتم إعادتها-.