السوق السوداء للدولار.. من يدير إمبراطورية الاقتصاد الموازي؟
مع مطلع فبراير الجاري، بدا أن الأزمة الرئيسية على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية تتمثل في وصول سعر الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من 70 جنيها، لتنتشر تدوينات وتغريدات وأخبار بعضها زائف وآخر حقيقي تسببت في ارتفاع أسعار السلع الرئيسية وحتى تلك التي اعتبرها المصريون دائمة في مطابخهم، مثل «الكمون».
بعد أيام قليلة تبدل الحال، وبدأ سعر الدولار في التراجع بالسوق السوداء، بخسارة أكثر من 20% من قيمته السابقة المتداولة، ليتراجع دون الـ50 جنيها، وظهر حالة من الهياج على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذه كان لها طابع رسمي أكثر من كونها شعبية، لتبشر بقرب انتهاء أزمة الدولار مع تدفقات مالية مختلفة.
بين هذا وذاك، عاد سعر الدولار في السوق الموازية إلى مستوى قياسي من جديد أقل من 70 جنيها للبيع، ليصل إلى 62: 64 جنيها تقريبا، ليكشف عن متحكم مختلف لإمبراطورية السوق السوداء، المصطلح الذي ظهر بشكل واسع لسلع مختلفة خلال الآونة الأخيرة على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية التي تأثرت بها مصر بشكل واضح، خاصة خلال العامين الأخيرين.. فكيف تتخذ هذه السوق قراراتها ومن يتحكم فيها؟
تسير السوق السوداء في مسارين، الأول تجار العملة والمستفيدين، والثاني هم المستوردون الذين يواجهون أكبر أزمة تقريبًا منذ زمن بعيد، بسبب قرار فتح الاعتمادات المستندية، إذ لا تتمكن البنوك من منحهم المطلوب بالعملة الأجنبية ليتمكنوا من استيراد المواد الخام من الموانئ، ما أدى في النهاية إلى تحولهم إلى أكبر عميل للسوق السوداء.. كيف؟
متى بشاى، رئيس التجارة الداخلية بشعبة المستوردين في الغرف التجارية، يشير إلى أنهم اتجهوا للسوق السوداء ليتمكنوا من جمع العملة الأجنبية غير الموجودة لدى البنوك في الفترة الأخيرة، حيث يصل سعر الدولار الواحد نحو 70 جنيها تقريبًا، الأمر الذي لم يكن منه مفر، خاصة مع تعطل مصالحهم بشكل واضح وعدم القدرة على استيفاء مصروفات دخول المواد الخام للتصنيع ومع ذلك قابلتهم مشكلة أكبر.
يشير «بشاي» إلى أن نظام الدور المعمول به في البنوك لفتح الاعتمادات المستندية لم يكن دقيقًا، إذ تحايلت بنوك بقرارات إدارية داخلية على هذا النظام، واتبعت نظامًا جديدًا يقضي بفتح الاعتمادات المستندية للمستورد حال توفير 20% إضافية على السعر الإجمالي المطلوب لصالح البنك، ما أدى إلى اعتماد أكبر على السوق السوداء مع الوقت.
الأمر نفسه أكده أحد المستوردين في شعبة السيارات والذي يشير إلى أنهم لولا الاتجاه إلى السوق السوداء لما استطاعوا استكمال عملهم، خاصة في الشهور الـ6 الأخيرة، بينما لا يتم تشديد الرقابة على البنوك في هذا الأمر، ما دفعهم إلى تحقيق استفادة قصوى بنظام تخصيص 20% من المبلغ لصالح البنك ما زاد من الضغوط على المستوردين وجعلهم يتجهون لرفع الأسعار أو خلق سوق سوداء لسلعهم لتعويض الخسارة الفادحة.
وأضاف أن عملية البيع مختلفة عن الشراء للدولار في السوق السوداء، حيث يصل سعر الشراء إلى 70 جنيها تقريبًا، مشيرًا إلى أن البيع يزيد أو ينقص وفقا لمتطلبات الاستيراد وليس على أساس تحركات أو تنظيم.
خسارة 35 جنيهًا في الدولار
محمد طلعت، رئيس شعبة المحمول وأحد المستوردين، أكد ما أشار إليه آخرين في موضوع الـ20%، إذ قال إن البنك يضاعف الخسارة على التاجر في الدولار الواحد أكثر من 35 جنيها، حيث يجمعها من السوق السوداء بسعر 70 جنيها، بينما يحسبها البنك بالسعر الرسمي، ما يجعل التاجر يضاعف التكلفة على المستهلك.
وأضاف أن عدم توفير البنك أو الصرافة للعملات الأجنبية أدى إلى تضخم السوق السوداء مع الوقت وزيادة أسعار السلع، بل خلق سوق سوداء موازية للسلع الرئيسية، مثل الأرز والسكر والسجائر والمحمول وغيرها من المنتجات والسلع الرئيسية في حياة المصريين.
بكام الدولار؟.. 70 جنيها
جزء من محادثتنا مع تاجر للسوق السوداء يعمل في بيع وشراء الدولار، يشير إلى أن تجار الدولار في السوق السوداء يعتمدون بشكل مباشر على تطبيقات إلكترونية للسوق السوداء، وهذه أصبحت منتشرة ويتم التأكيد من خلالها على سعر الدولار في السوق الموازية، لتكون محور التحركات على مدار الشهور الأخيرة.
وأوضح أن سعر الدولار للشراء لم يقل عن 70 جنيها، بينما للبيع فإن أقصى نزول هو 50 جنيها، والمتوسط عند حد 65 جنيها، وأقصى ارتفاع 78 جنيها، مشيرًا إلى أن التجار أكثر الزبائن الذين يطلبون توفير الدولار، بينما يتم الاعتماد في جمعه على أعداد كبيرة تعمل في العملة الأجنبية داخل مصر، وتقرر الاستفادة من فارق السعر بدلا من الشراء بالسعر الرسمي من البنك والذي توقف عند حد 31 جنيها.
قصة تطبيقات السوق السوداء
على مدار الشهور الأخيرة انتشرت تطبيقات وظيفتها الإعلان عن سعر الدولار في السوق السوداء، إذ يتم الاعتماد عليها بشكل رئيسي للتعرف على تسعيرة العملة في السوق الموازية من ضمنها «بكام في السوق السوداء» و«الدولار اليوم في مصر»، فيما لم تعلن الحكومة عن أي إجراءات تتعلق بحجب هذه التطبيقات التي تنشط يوميا وتستمر وتتوسع.
ويعتبر الخبير في الاقتصاد الرقمي الدكتور أحمد معطي، أن هذه التطبيقات سبب مباشر ورئيسي في تضخم السوق السوداء، خاصة أنها تحدد السعر بشكل يومي ما يجعلها موضع اتهام، حيث تمد المستخدم بالسعر كل صباح، وبالتالي هي مسؤول رئيسي عن إمبراطورية السوق السوداء في مصر.
وأضاف أن الحكومة تحتاج إلى التحرك بشكل أسرع فيما يخص التعامل مع هذه التطبيقات الإلكترونية والتي يمكنها غلقها بشكل كامل، بينما لم يحدث ذلك ما يجعلها تتضخم مع الوقت وتزيد أهميتها بشكل لا يمكن معه إيقافها.
سعر الدولار اليوم
لا يزال سعر الدولار أمام الجنيه المصري ثابتا عند حد أقل من 31 جنيها منذ شهور عديدة، رغم مطالبات اقتصاديين وصندوق النقد الدولي تعويم الجنيه وعدم تدخل الحكومة لدعمه للقضاء على السوق السوداء، فيما وصل اليوم سعر الدولار أمام الجنيه 30.75 للشراء، 30.85 جنيه للبيع.
وتعمل مصر حسب صندوق النقد الدولي على مضاعفة قرض داعم لاقتصادها يصل إلى 12 مليار دولار، بينما تفاوضت منذ أكثر من عام على قيمة تصل إلى 3 مليارات دولار تقريبًا، القرض الذي لم تحصل منه مصر إلا على شريحة واحدة، فيما تنتظر مراجعات الصندوق خلال الفترة المقبلة على أمل مواجهة إمبراطورية السوق السوداء، والخروج من أزمة تدبير العملة الأجنبية، ودعم الاقتصاد.