مأساة غـ زة تحت وطأة الطقس الشتوي: برد قارس وأمطار غزيرة ولا أحد يهتم
مع حلول فصل الشتاء، تعيش غزة، المحاصرة والمثقلة بالأزمات الإنسانية، فصولًا جديدة من المعاناة. برد قارس وأمطار غزيرة تضرب المنطقة، تزيد من أعباء السكان الذين يعانون أصلًا من ظروف معيشية متردية بسبب الحصار والدمار الناتج عن الحروب المتعاقبة.
تحت خيام مهترئة لا تقي من البرد ولا تصمد أمام الأمطار، يعيش مئات العائلات التي فقدت منازلها بفعل العدوان الإسرائيلي المتكرر. هنا، لا يمكن لأطفال غزة أن يناموا دافئين، حيث يلسعهم البرد القارس في غياب وسائل التدفئة، ويحول تساقط الأمطار الغزيرة حياتهم إلى كابوس.
أمطار تخترق الخيام وأرواح تغرق في اليأس
في المخيمات المؤقتة، التي نصبت على عجل بعد دمار منازل هؤلاء الناس، لا شيء يبدو مؤقتًا سوى اسمها. تحت ضربات المطر، تُغرق المياه الأرضية الرملية، التي سرعان ما تتحول إلى مستنقعات. يندفع الأطفال وهم يحاولون إنقاذ ما تبقى من ممتلكاتهم البسيطة، بينما يحاول الكبار التصدي لتسرب المياه من أطراف الخيام.
محمد، رجل أربعيني وأب لخمسة أطفال، يقول: "في كل مرة يهطل المطر، نغرق. ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه، وليس هناك من يساعدنا. نعيش في انتظار المجهول."
أما آية، طفلة في التاسعة من عمرها، فتروي وهي تحمل حذاءها بيدين مرتجفتين: "لا أستطيع الذهاب إلى المدرسة. المطر جعل الطرق موحلة والخيمة التي نعيش فيها مبللة بالكامل. حتى كتبي أصبحت غير صالحة للاستخدام."
صرخة في وجه العالم: "لا أحد يهتم"
ما يزيد من وجع سكان غزة هو شعورهم بالتجاهل التام. المساعدات الدولية شحيحة، ولا تلبي احتياجاتهم الأساسية. لا توجد خطط مستدامة لتحسين أوضاعهم، وتغيب الحلول التي تعيد لهم الأمل بحياة كريمة.
وفي ظل هذه المعاناة المتفاقمة، يبرز تقصير الجهات الحاكمة في غزة، وعلى رأسها حركة حماس، في التعامل مع هذه الأوضاع الإنسانية الكارثية. فرغم السيطرة المستمرة على القطاع منذ سنوات، تفتقر الحركة إلى سياسات فعالة لتحسين الظروف المعيشية للسكان أو لتوفير حلول عاجلة لمواجهة آثار الشتاء القاسية. بدلًا من توجيه الموارد إلى تحسين البنية التحتية أو بناء مساكن آمنة للعائلات المشردة، تتوجه الأولويات نحو أجندات سياسية وعسكرية تزيد من عزلة القطاع. هذا الإهمال المتكرر يترك آلاف العائلات تواجه مصيرها وحيدة، ما يعمّق الشعور بالتهميش ويدفع السكان إلى التساؤل عن مسؤولية من يفترض أنهم يديرون شؤونهم ويحمون حقوقهم الأساسية.
في كل زاوية من زوايا المخيمات، ترتفع أصوات الصغار والكبار على حد سواء تطالب بالاهتمام والرعاية، لكنها تقابل بصمت مطبق من الجهات المسؤولة على الصعيدين المحلي والدولي.
موسم الشتاء اختبار جديد للصمود
وسط كل هذا البؤس، يواصل سكان غزة صمودهم. يحملون البرد فوق أكتافهم ويحاولون التكيف مع وضعهم الصعب. لكن هذا الصمود لن يستمر إلى الأبد دون تدخل حقيقي.
إن هذه المشاهد المأساوية في غزة ليست مجرد صور تمر مرور الكرام؛ إنها نداء عاجل لكل صاحب قرار وكل جهة إنسانية لمد يد العون، ليس فقط لتوفير الطعام والغطاء، ولكن لإيجاد حلول جذرية تحمي هؤلاء البشر من خطر الغرق في البرد واليأس.