غزة تحت الحصار والمعابر مغلقة: أطفالٌ يموتون وصرخاتٌ تثور ضدّ حماس

في ظلِّ استمرار الإغلاق الشامل للمعابر منذ 2 مارس 2025، يعيش قطاع غزة تحت حصار إنساني يُهدّد حياة أكثر من مليوني نسمة.
فقد فرضت السلطات الإسرائيلية “حصارًا” على غزة، ما منع دخول أي مساعدات إنسانية أو تجارية، بما في ذلك الوقود والغذاء والمعدات الطبية واللقاحات، منذ أكثر من 50 يومًا.
وأكّد تقرير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن الإغلاق التام للمعابر تسبب في نفاد كميات كبيرة من الإمدادات الأساسية؛ إذ جفت مخزونات القمح، ولم يتبقَ سوى 250 طردًا غذائيًا من أصل آلاف كانت جاهزة للتوزيع، بينما يواجه 66% من الإمدادات الطبية الأساسية خطر النفاد خلال شهرين أو أقل
وفي مشهدٍ يختزل حجم الكارثة الإنسانية، تصطفُّ أمهاتٌ أمام أبواب مستشفيات غزة منذ أسابيع بحثًا عن سريرٍ لطفلٍ يعاني نقص الأكسجين أو حمىً شديدة، فيما تفتقر هذه المرافق الطبية إلى الوقود والأدوية حتى لاحتياجات الطوارئ. فقد حذرت الأونروا من أن مخزونات الإمدادات الطبية الأساسية في القطاع ستنفد خلال أسابيع قليلة إذا استمر الحصار على المعابر، فيما تجاوزت وفيات الأطفال جراء سوء التغذية والجفاف 50 حالة خلال الشهرين الماضيين، بينهم 10 آلاف طفل يعانون من نقصٍ حادٍّ في الوزن وبُنيتهم المناعية مهدّدة بالانهيار.
وتعاني المستشفيات من عجزٍ مريع في المعدات التشخيصية، إذ تُمنع أجهزة الأشعّة وأجهزة التنفس الاصطناعي وقطع غيار المولدات من الدخول، ما يضطر الكوادر الطبية إلى تحويل حالاتٍ خطرةٍ إلى «الطب البديل» أو إلى الانتظار حتى تنجلي الأزمة، وهو ما يكلّف حياة مرضى السرطان والرضع المصابين بالتهابات رئوية.
كما أُرجئت حملات التحصين ضد شلل الأطفال والحمى الصفراء، إثر نفاد اللقاحات، ما ينذر بانتكاسات صحية جديدة بعد اكتشاف بؤرتين محتملتين لشلل الأطفال في أواخر 2024.
على الجانب المائي، يتشاركَ سكان غزة في معركة يومية للحصول على ستّ لتراتٍ فقط من المياه الصالحة للشرب لكل فرد، بعد أن كانت الكمية المخصصة تصل إلى 16 لترًا في الأيام الطبيعية. وجفّت آبار ومضخّات الصرف الصحي مع انقطاع التيار وندرة الوقود، مما دفع باليونيسف إلى التحذير من تفشّي الإسهالات وحالات التهاب الكبد الوبائي (A) بين الأطفال دون خمس سنوات، وسط تسجيل مئات الحالات الأسبوعية الجديدة.
وعلى الصعيد الدولي، جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعوته لإنهاء «حصارٍ يفتح باب جحيمٍ حقيقي» في غزة، معتبرًا أن منع دخول المساعدات يُعدّ «جريمة حرب» وأن الصمود الشعبي بدأ يتحوّل إلى «حلقةٍ لا تنتهي من الموت البطيء»
بدورها، حذّرت دائرة تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من «انهيارٍ كلي» للخدمات الأساسية في القطاع إذا لم تُرفع القيود المفروضة على المعابر بشكل فوري
في ظلِّ هذا الواقع المأسوي، ارتفع صوت الغضب الشعبي داخل غزة، فخرج المئات في مظاهراتٍ نادرة شمال القطاع يوم 26 مارس الماضي، وهم يرفعون شعارات «حماس ارحل» و«أنقذوا أطفالنا»، محمّلين حركة حماس – بصفتها السلطة الحاكمة في غزة منذ 2007 – مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية والخدمية وتبديد الموارد على الإنفاق العسكري بدلًا من تأمين لقمة العيش والرعاية الصحية للمواطنين
وتصاعدت الانتقادات إلى حد اتهام قادة الحركة «بخيانة ثقة الشعب» وتضحية المدنيين من أجل تحقيق أهداف سياسية وعسكرية على حساب حياة الأطفال والمرضى، وفق مشاركات نشطاء في شبكات التواصل الاجتماعي ومنظمات حقوقية محلية ودولية.
ويظلّ السؤال الأبرز: هل سينجح المجتمع الدولي في كسر جدار الصمت وفتح المعابر لإدخال الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية قبل أن يتحول الموت البطيء في غزة إلى مأساةٍ لا تُطاق؟ أم ستبقى الصرخات من داخل المستشفيات وأروقة المنازل وجهًا لوجه مع مسؤوليةٍ سياسيةٍ مستمرة؟