سناء مصطفى تكتب.."سيد بغداد" تكشف الوجه الإستبدادي لنظام صدام حسين
مرحباً يا عراق ..جئتُ أغنيكَ
وبعضٌ من الغناء بكاءُ
مرحباً .. مرحباً .. أتعرف وجهاً
حفرتْه الأيام والأنواءُ ؟
أكل الحب من حُشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتها النساءُ
سكن الحزن كالعصافير قلبي
فالأسى خمرةٌ وقلبي الإناءُ
أنا جُرحٌ يمشي على قدميه
وخيولي قد هدها الإعياءُ
فجراحُ الحسين بعض جراحي
وبصدري من البلا كَربَلاءُ
بعد قراءتي لرواية" سيد بغداد" تداعت إلى ذاكرتي هذه الأبيات للشاعر الكبير نزار قباني من قصيدته "مرحبا يا عراق" التي مزج فيها بين مشاعر الحزن والغضب والرفض وآماله وآلامه وطموحه في الخلاص من واقع مرير.
رواية "سيد بغداد" للكاتب والأديب اللبناني الدكتور محمد طعان الذي كتب روايته باللغة الفرنسية ثم ترجمت للعربية ولغات أخرى شأنها شأن باقي روايات الكاتب.
وتعتبر " سيد بغداد" رواية مهمة جدا تنتمي إلى «الروايات السياسية»، تركز على موضوع الاحتلال والنتائج التي ترتبت عليه والأوضاع التي أعيد ترتيبها بعد سقوط نظام صدام حسين.
تتناول الرواية أيضا الصدمة الحضارية التي يتعرض لها أحد شخصيات الرواية القادم من الغرب إلى العراق ضمن الجنود الأمريكيين الذين اتخذت قياداتهم من قضية الأسلحة النووية المحظورة ذريعة لدخول العراق وإسقاط نظام صدام حسين، تلك القضية التي ما زالت تشغل أذهاننا حتى الآن.
روايات عدة تعرضت قبل ذلك للصدام بين الشرق والغرب مثل"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، و "أديب" لطه حسين وغيرهما.
تعيد رواية "سيد بغداد" إلى الأذهان تراجيديا مقتل الحسين، التي قدمها الكاتب أيضا من خلال نص مسرحي داخل الرواية يُقتلُ بطله أيضا كما قتل الحسين.
أعطت الرواية أيضا صورة مؤلمة ودامية لحياة العراقيين في عهد صدام حسين وبعد سقوطه ونرى الطقوس الدينية والعادات والتقاليد التي تتشابه في كثير من البلدان العربية تطل علينا واضحة في الرواية وتثير ارتباك الجندي الأمريكي وتشغل باله.
الكثير والكثير من القضايا المهمة التي تثير العقل والوجدان تتجلى أمامنا ونحن نقرأ رواية الدكتور محمد طعان الذي نشأ في جنوب لبنان، ودرس طب عام وجراحة في فرنسا وعمل في وزارة الصحة المغربية كطبيب وجراح، ثم أقام مشفى خاصا به في لبنان وهُجر بعد ذلك إلى نيجيريا ( كما قرأت، وهي علامة استفهام استوقفتني).
قضى "طعان" عشرين عاما في كتابة السيناريوهات ثم الروايات باللغة الفرنسية أثمرت كتاباته عن عدة روايات ترجمت للعربية منها "سيد بغداد" و "الخواجه" و "رحلة بهمان" و "فول سوداني" و " ما باحت به سارة" وغيرها.
حرص على نقل صورة صحيحة قدر إمكانه للواقع التاريخي والسياسي والديني لمجتمعنا العربي في قالب روائي إبداعي، وإعادة تقديمها بلغة الغرب المتشبع بأفكار مغالطة عنا.
يالائـمي حـب الحـسين أجــــــنـنا
واجــتاح أوديــة الضـــمائر واشرأبّْ
فلـقد تـشـرَّب في النــخاع ولم يــزل
سـريانه حتى تســـلَّـط في الـرُكــب
من مـثـله أحــيا الكـرامة حـيــنـما
مـاتت على أيــدي جــبابـرة الـعـرب
مرة أخرى هذه الأبيات لنزار قباني من قصيدته التي يرثي فيها الحسين تثبت إلى الذاكرة حين أقرأ هذه الجملة في رواية سيد بغداد:
"واقع أن يكون المرء شيعيا إنما يعني أن يلبس ثياب الحداد إلى الأبد، وأن يرى حياته ملطخةً منذ الولادة بالشجن والاضطراب."
وردت هذه الجملة في أحد فصول الرواية التي تحدث فيها الكاتب مطولا عن الشيعة وشرح بمزيد من التوضيح من هم شيعة الإمام علي، وروى أحداثا تاريخية عن الإمام الحسين وكيفية استشهاده.
في الحقيقة تعجبتُ لأول وهلة من هذا التوضيح وهذه الإطالة لأن معرفتنا بهم كعرب أمر بديهي لا حاجة به للاستفاضة في الحديث عنه، لكن تذكرت أن الكاتب ينتمي للفرانكفونية والرواية كتبت بالفرنسية فكان من الطبيعي أن يوضح الكاتب منشأهم ويتحدث عنهم.
كما كشفت الرواية عن الوجه الاستبدادي لنظام الرئيس صدام حسين، ومعاناة الأقليات العرقية والدينية، ومنع الشيعة من ممارسة شعائرهم الدينية مما يضطرهم ذلك إلى التخفي.
ويدرك القارئ من خلال الرواية مدى قسوة النظام في معاقبة معارضيه بتعذيبهم في السجون وقطع ألسنة الشيوعيين مثلا حتى لا تنتشر أفكارهم.
__
من هو سيد بغداد؟
اعتقدتُ في البداية أن عنوان الرواية يقصد رجل الدين الشيعي الذي له قدرة عجيبة على التأثير في الناس وتحريك مشاعرهم إثر سماعهم منه ما حدث لآل البيت، هذا السيد الذي فقد ابنه على يد صدام ورجاله، وبعد سقوطه عثر على رفاته في مقبرة جماعية، وعانى من كثير من الخطوب، وكانت قصته محور أحداث الرواية، ولكن لماذا لا يكون مقصد الكاتب من هذا العنوان هو الحاكم وسيد البلاد الذي يمارس جبروته واستبداده على شعبه بمختلف طوائفه؟.
وقد يكون السيد أيضا هو العدو الأمريكي الذي جاء ليسقط النظام ويحتل الأرض متذرعا بأكذوبة الأسلحة النووية. وربما يكون السيد الحقيقي هو الإمام الحسين بن علي المحرك الأساسي للأحداث، والذي كان الكاتب من الذكاء بحيث قدم القصة التراثية لمقتل الإمام في الرواية نفسها من خلال مسرحية عرضت في الاحتفال بعاشوراء لنجد الحسين يقتل مجددا من خلال أشخاص معاصرين.
تساؤلات كثيرة وإجابات مختلفة تفرض نفسها، جميعها تحتمل الخطأ والصواب، ذلك يؤكد أننا أمام رواية مختلفة تستحق القراءة والحوار الجاد بشأنها وبشأن ما تطرحه من قضايا هامة.
في بلدتنا
يذهب ديك يأتي ديك
والطغيان هو الطغيان
يسقط حكم لينيني
يهجم حكم أمريكي
والمسحوق هو الإنسان
___
اكتشف جيمي الجندي الأمريكي أكذوبة الحرب الأمريكية غير المبررة على العراق، وأكذوبة الأسلحة النووية المحظورة التي ادعوا وجودها، وتزييفهم للحقائق وتلاعبهم بالبيانات، كواقعة انتحار هاردي كوبورن أحد الجنود الأمريكيين لطلب زوجته الطلاق بينما أعلنت القيادة الأمريكية أن الجندي مات بصورة عرضية في كمين على الطريق. وردت على لسان الرقيب الأمريكي جملة أربكت جيمي وشوشت أفكاره وجعلته يعيد النظر في كل ما سمعه من تبليغات كاذبة من قبل. قال الرقيب إن حجج الجيش ليست بالضرورة حجج الحقيقة، فالغاية منها كسب الحرب ومنطقها هو منطق الحرب.
ظن الشعب العراقي أنه بقدوم الأمريكان يمكنهم الخلاص من الديكتاتور الذي خلت حياتهم في عهده من الحرية والديمقراطية والأمان والاستقرار، وطغى عليها لون الدم وصبغ كل ركن فيها، لكن هيهات! اكتشفوا أنهم ما جاءوا إلا محتلين طامعين مخربين.
وفي النهاية أريد أن أقول:
نحن الذين أعرنا الكونَ بهجتهُ
لكِنَّما الدهرُ إقبالٌ وإدبارُ
سبحانَ ربِّكَ كيف الأمرُ منقلبٌ
وكيف تلعبُ بالأدوارِ أدوارُ
أنا "العراقُ" لساني قلبُه.. ودمي
فراتُه .. وكياني منه أشطار .