"مذاق الوردة العطرية" قصة قصيرة لـ "شيماء عبدالناصر"

مذاق الوردة العطرية
"مذاق الوردة العطرية" قصة قصيرة لـ "شيماء عبدالناصر"

يظن الأولاد الصغار أن رائحة الورد الذكية المنعشة يختفي خلفها وجبة شهية من الزهور، وحينما أخبرت أحدهم أن الزهور ذات الرائحة الجميلة لا تعني بالضرورة وجبة لذيذة للطعام، بل على العكس بعض الزهور العطرية قد تكون سامة.
حينما سمع مني هذا الكلام، نظر لي كأني عدوته، احمرَّ وجهه وظل يبكي لساعات طويلة، حاولت تهدئته ولكي أنجح في ذلك اضطررت للكذب عليه، وأخبرته أنه يمكن المحاولة في الأمر، صمت بأسرع مما بكى، ولمع نور الأمل في عينيه ووجهه، وندمت أنا على كذبتي، لكن كان الوقت قد فات على الندم.
أخبرته أننا بالإمكان فعل ذلك، استطعت أن أمرر اليوم، ولم أفكر في الغد، الذي جاءني فيه وبدأ يسألني عن أولى الخطوات لتحويل تلك الزهور في حديقة المدرسة إلى وجبة جميلة لها نفس مذاق رائحة الوردة نفسها، المذاق شيء مختلف عن الرائحة، كيف نستطيع تذوق رائحة الورد، أشعر بالجنون، وأمامي طفل لحوح.
تهربت من الأمر بشياكة وبفكرة لا أعرف من أين جاءت لي، أخبرته أن هذا هو الاختبار الذي عليه اجتيازه، ألقيت الكرة في ملعبه وهربت من الموقف بأعجوبة، لكنه اعتبر ذلك بمثابة كنزه الذي سيبحث عنه، ونسيت ما حدث تمامًا لأني سافرت في إعارة خارج الوطن.
وبعد عودتي بسنوات ومعي ابني الصغير الذي يرتاد نفس المدرسة التي كنت أعمل بها معلمة، بدأ يحدثني عن معلمه في الفصل الذي يستطيع تحويل الزهور العطرية إلى طعام له نفس مذاق رائحة الورود، لم آخذ كلام ابني الصغير على محمل الجد، فلخيال الأطفال ألاعيبه التي لا تنتهي.
ولكن الأمر لم يعد كلامًا فحسب ، لقد عاد لي ومعه أنبوب غريب، وحينما سألته أخبرني إنها أنابيب الرحيق الخاص بالزهرة العطرية التي كانت مزروعة في حديقة المدرسة، وحينما ذهبت لمدرسته لم أجد الحديقة التي كنت أعهدها، تحول جزء كبير منها إلى مبانٍ دراسية أو إدارية، إلا حوض صغير لزهرة طالما نبتت في الحديقة، وأعرفها تمامًا.
حينما قابلني المعلم أخبرني أنه ذلك الطفل الذي سألني يومًا ما عن أكل الزهور لأن رائحتها طيبة، كان أمامي طفلي والمعلم، أخبرته فقط أنه بالفعل إن للزهور العطرية مذاق جيد، أخذت ذلك الأنبوب من طفلي وابدأت أتجرعه، وأنا استمتع بلذة خرافية بطعم تلك الزهور العطرية التي يشبه طعمها رائحتها تمامًا، حتى لو لم تكن كذلك.