هل يُعزز وقف رواتب عائلات الشهداء والأسرى خطط إقامة الدولة الفلسطينية؟

 هل يُعزز وقف رواتب
هل يُعزز وقف رواتب عائلات الشهداء والأسرى خطط إقامة الدولة

في خطوة تُعتبر بمثابة إعادة هيكلة جذرية للسياسة المالية الداخلية، أفادت مصادر غربية بأن توقف السلطة الفلسطينية فعليًا عن دفع رواتب عائلات الشهداء والأسرى قد يشكل عاملًا رئيسيًا في تحرير موارد مالية ضخمة يمكن استثمارها في خطط إقامة الدولة الفلسطينية. ويأتي هذا القرار وسط ضغوط دولية، خاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل، للحد من ما يُسمى بظاهرة "الدفع مقابل القتل"، التي اعتُبرت حافزًا لبعض الأعمال العدائية.

ولطالما اعتُبرت مخصصات الرواتب الشهرية لعائلات الأسرى والشهداء عنصرًا رئيسيًا في سياسة التضامن الوطني داخل السلطة الفلسطينية، إذ تُعد تعويضًا للتضحيات التي يقدمها أفراد المقاومة في مواجهة الاحتلال. ومع ذلك، فإن هذا النظام أثار انتقادات واسعة من قبل الجهات الغربية التي ترى فيه عائقًا أمام الإصلاح المالي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، فضلًا عن أنه يُستخدم كأداة سياسية تؤثر على صورة السلطة في المحافل الدولية.

وفقًا لمصادر غربية، فإن القرار الذي أعلن عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس – والذي جاء في إطار مراجعة شاملة للميزانية الوطنية – يهدف إلى تحويل الدعم المالي من نظام يعتمد على تصنيف العائلات حسب حالة الأسرى إلى نظام اجتماعي يعتمد على معايير الاحتياج، مما من شأنه تحرير موارد مالية قد تُستخدم في دعم مشروعات التنمية والبنية التحتية الوطنية.

وأصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرا، مرسوما يلغي دفع رواتب عائلات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أو عائلات منفذي العمليات الفدائية.

ووصفت وسائل إعلام أن هذه الخطوة تهدف إلى تحسين العلاقات مع الإدارة الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حين تقول الولايات المتحدة وإسرائيل إن "صندوق الشهداء" يقدم مكافآت "للعنف ضد إسرائيل".

وبحسب القرار، ستخضع جميع الأسر المستفيدة لمعايير الرعاية الاجتماعية المطبقة في فلسطين دون تمييز، مع إحالة جميع برامج الحماية والرعاية إلى مؤسسة التمكين الاقتصادي، التي ستتولى توزيع المساعدات وفق آليات رقابة شفافة تخضع لإشراف محلي ودولي.

ويأتي المرسوم، بحسب "وفا"، في إطار "تعزيز مكانة فلسطين دوليا، والسعي لاستعادة برامج المساعدات الدولية، وفك الحصار المالي المفروض من إسرائيل، بما في ذلك وقف الاستقطاعات من أموال الضرائب الفلسطينية، إلى جانب مواجهة التحديات الاقتصادية المتفاقمة".

وجاء في نص المرسوم أنه "تم إلغاء المواد الواردة في القوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، سواء في قانون الأسرى أو اللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية".

وأضاف أنه "تم نقل برنامج المساعدات النقدية المحوسب وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية والمحلية والدولية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي".

وبحسب المرسوم، فإن جميع الأسر المستفيدة من القوانين السابقة ستخضع لنفس المعايير المطبقة على برامج الحماية والرعاية الاجتماعية، وجاء فيه أنه "ستطبق معايير الشمولية والعدالة على جميع الأسر المستفيدة من برامج الحماية الاجتماعية، دون تمييز، بحيث تشمل جميع الأسر الفلسطينية المحتاجة".

كما نص المرسوم على أن "صلاحيات كافة برامج الحماية والرعاية الاجتماعية في فلسطين قد أحيلت إلى مؤسسة التمكين الاقتصادي الفلسطيني، التي ستتولى مسؤوليات تقديم هذه البرامج وفق آليات شفافة تخضع للرقابة المحلية والدولية".

وأوضح القرار أن المؤسسة الجديدة ستعمل وفق آليات رقابة مالية وإدارية، حيث جاء فيه: "المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة، ويديرها مجلس أمناء يعينه الرئيس، وتخضع لرقابة مؤسسات دولية لضمان شفافية الإجراءات وعدالة التوزيع".

وربط المرسوم القرار بالسعي لتعزيز مكانة فلسطين دوليًا، وجاء في المرسوم أن القرار "يأتي في إطار تعزيز المركز القانوني لدولة فلسطين في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، والحصول على المزيد من الاعترافات الدولية".

كما أشار إلى أن "المؤسسة ستسعى لتجنيد الموارد المالية لمساعدة الأسر الفقيرة، خاصة في ظل التصاعد الكبير في أعداد العائلات المحتاجة بسبب الحرب في غزة والضفة الغربية".

وأضاف المرسوم أن الهدف هو "استعادة برامج المساعدات الدولية التي توقفت في السنوات الماضية، وفك الحصار المالي المفروض من قبل إسرائيل، ووقف الاستقطاعات غير المشروعة من أموال الضرائب الفلسطينية، التي بلغت مليارات الشواقل".

وتشير تقارير صادرة عن مصادر غربية ودولية إلى أن وقف السلطة الفلسطينية فعليًا عن صرف رواتب عائلات الشهداء والأسرى قد يُشكل خطوة حاسمة نحو تعزيز خطط إقامة الدولة الفلسطينية، عبر تحسين العلاقات مع الجهات المانحة وزيادة الضغوط الدولية على إسرائيل. لكن هذه الخطوة تظل مثار جدلٍ داخلي وعالمي، وسط تحذيرات من تداعيات اجتماعية وسياسية.

جدل مستمر حول "قانون الأسرى"

   ميزانية الرواتب: وفقًا لبيانات وزارة المالية الفلسطينية (2023)، خصصت السلطة الفلسطينية ما يقارب 150 مليون دولار سنويًا لبرنامج الدعم المالي لعائلات الأسرى والشهداء، وهو ما يمثل نحو 7% من إجمالي موازنتها السنوية (2.1 مليار دولار).

   الانتقادات الدولية: تعتبر إسرائيل والولايات المتحدة هذه المدفوعات "مكافأة للإرهاب"، حيث أقر الكونغرس الأمريكي "قانون تايلور فورس" (2018) الذي يقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية إذا استمرت في دفع الرواتب.

   الموقف الفلسطيني: تدافع السلطة الفلسطينية عن هذه المدفوعات باعتبارها "مساعدات اجتماعية" لعائلاتٍ يعاني 35،000 أسير في السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى عائلات أكثر من 5،000 شهيد منذ عام 2000.

الضغوط الغربية: أرقام مالية وسياسية

   التمويل المعلق: علقت الولايات المتحدة 300 مليون دولار سنويًا من المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية منذ تطبيق "قانون تايلور فورس".

   موقف الاتحاد الأوروبي: خفض الاتحاد الأوروبي مساهمته في ميزانية السلطة من 300 مليون يورو سنويًا إلى 200 مليون منذ 2020، مشترطًا إصلاحات تشمل إيقاف الرواتب المثيرة للجدل.

   تأثير اقتصادي: وفق البنك الدولي، يعاني الاقتصاد الفلسطيني من عجزٍ مالي سنوي يصل إلى 1.5 مليار دولار، مع تدهور معدل النمو إلى 3% فقط في 2023، مما يزيد اعتماد السلطة على المساعدات الخارجية.

حجج المؤيدين للوقف: "فرصة لإنقاذ الدولة"

   تحسين الصورة الدولية: تشير تحليلات صادرة عن معهد "كارنيغي للسلام" (2023) إلى أن وقف الرواتب قد يعيد للسلطة الفلسطينية شرعيتها في أعين المجتمع الدولي، ويفتح الباب لإحياء المفاوضات.

   إطلاق مساعدات معلقة: يمكن أن يؤدي الإلغاء إلى استعادة 500 مليون دولار من المساعدات السنوية المعلقة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

   كسب التأييد الدبلوماسي: تؤكد مصادر دبلوماسية غربية أن خطوة كهذه قد تُسهّل اعترافًا أوسع بدولة فلسطين، خاصة بعد اعتراف 146 دولة بها حتى الآن.

المخاطر المحتملة: بين الانقسام الداخلي والانهيار الاجتماعي

   ردود الفعل الشعبية: وفق استطلاع للرأي أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية" (2023)، يعتبر 67% من الفلسطينيين أن هذه المدفوعات "حقٌ غير قابل للمساومة".

   تحديات أمنية: يحذر خبراء من أن إيقاف الرواتب قد يزيد الاحتقان ضد السلطة الفلسطينية، خاصة في ظل وجود 3.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيش 29% منهم تحت خط الفقر.

   تعزيز حماس: يُخشى من تصاعد نفوذ حركة حماس، التي تُقدم بدورها دعمًا ماليًا لعائلات الأسرى في قطاع غزة، مما قد يوسع الانقسام الفلسطيني.

سيناريوهات المستقبل: ما الذي يمكن أن يحدث؟

   السيناريو الأول: توقف السلطة عن الصرف تدريجيًا مع تعويض العائلات عبر برامج اجتماعية بديلة، بدعمٍ من الاتحاد الأوروبي، مما قد يُخفف الغضب الشعبي.

   السيناريو الثاني: استمرار الوضع الراهن، مع تصاعد العجز المالي وتراجع الدعم الدولي، مما يُعيق أي تقدم نحو إقامة الدولة.

   السيناريو الثالث: تقديم السلطة تنازلات جزئية، مثل استبعاد المقاتلين من القوائم، لاسترضاء الجهات المانحة مع الحفاظ على الدعم الشعبي.

تعليقات الخبراء

وكان جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي السابق قد قال: "وقف تمويل العنف شرطٌ أساسي لأي مفاوضات جدية".

وقال خالد الحروب، محلل سياسي فلسطيني: "السلطة أمام خيارين مرّين: خسارة الشرعية الداخلية أو التخلي عن أحلام الدولة".

في الوقت الذي ترى فيه الجهات الغربية أن وقف رواتب الأسرى والشهداء قد يُنقذ عملية السلام، يرى كثيرون أنه يُنقض شرعية السلطة الفلسطينية ذاتها. السؤال الأكبر: هل يمكن بناء دولة على حساب التخلي عن رموز النضال التي يعتبرها الفلسطينيون جزءًا من هويتهم؟